الدكتور خالد الناصر يكتب: بعد 5 أعوام.. "الربيع العربي" بداياته ومآلاته

كتب: الدكتور خالد الناصر

الدكتور خالد الناصر يكتب: بعد 5 أعوام.. "الربيع العربي" بداياته ومآلاته

الدكتور خالد الناصر يكتب: بعد 5 أعوام.. "الربيع العربي" بداياته ومآلاته

1

مثّل الانفجار الشعبي الكبير الذي اجتاح أقطار الوطن العربي منذ مطلع العام 2011، الموجة الثورية الثانية التي تحصل كرد فعل على الأوضاع المختلة في المجتمعات العربية التي فشلت الأنظمة العربية في معالجتها.

وكانت الموجة الأولى، تمثلت في سلسلة الانقلابات وحركات التغيير التي حدثت ما بين نهاية أربعينات ونهاية ستينات القرن الماضي، في الدول العربية الرئيسية مثل سورية ومصر والعراق، وتبعتها دول أخرى مثل اليمن، والجزائر، وليبيا، والسودان، وتردد صداها بشكل أو بآخر في بقية الأرجاء العربية، متهمة أنظمتها بالفشل في تحقيق وعود ما بعد الاستقلال كالتخلص من الهيمنة الأجنبية وتحرير الأجزاء المغتصبة وفي مقدمتها فلسطين وتحقيق التنمية والعدالة وتوحيد المنطقة العربية التي كانت الدول الاستعمارية قد قسمتها وتقاسمتها قبل اتفاقية سايكس بيكو 1916 وبعدها.

وامتلكت تلك الحقبة الثورية قيادة "كارزيمية" من طراز نادر هي جمال عبدالناصر، وتوفر لها إقليم مركزي هو مصر، وبدا أن عصراً زاهراً للعرب قد انطلق حيث تم جلاء القوات الأجنبية، وحرر أكثر من قطر عربي، وكسر احتكار السلاح، وأعلنت الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر، وتم بناء السد العالي، وانطلقت عملية كبرى للبناء والتصنيع، وجرت تحولات اجتماعية عميقة لصالح الطبقات الشعبية.

 إلا أن هذا الصعود كان يخفي في طياته ثغرات بنيوية تمثلت في إعطاء الأولوية لمسائل التحرير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية على حساب التنمية الديموقراطية الراسخة، وما لبث أن جابهته مقاومات شرسة داخلية وخارجية، وشنت عليه حروب وحيكت ضده مؤامرات، بدءاً من العدوان الثلاثي عام 1956 ومروراً بفصم وحدة سورية ومصر عام 1961 وانتهاءً بحرب حزيران 1967 التي كانت قاصمة الظهر، وانتهت الحقبة عملياً بوفاة عبدالناصر، والانقلاب على نظامه في مايو 1971.

بعد تعثر وانكسار الموجة الثورية الأولى اعتباراً من بداية سبعينات القرن الماضي وعلى مدى أربعة عقود سبقت اندلاع ثورات ما عرف بالربيع العربي سادت البلدان العربية ذات الحكم الجمهوري والتي كانت تنتمي بشكل أو بآخر إلى مشروع تلك الحقبة، أنظمة مسخ تتمحور حول حاكم فرد تساعده على الأغلب طغمة عسكرية وأجهزة أمنية متغولة ومتغلغلة في كل أجهزة الدولة، فقدت فيها السياسة معناها واقتصرت على حزب واحد يحكم صورياً بينما مهمته حشد الناس لطاعة الديكتاتور والتسبيح بحمده، وتحول فيها الاقتصاد من مفهوم التنمية والعدالة إلى اقتصاد الريع و السمسرة حيث حلت محل الطبقات المنتجة زمر من الطفيليين المعتاشين على خدمة النظام وإدارة أموال رجالاته أو التوكيلات الأجنبية والمشاريع الاستهلاكية بعد دفع الأتاوات لضباط النظام وأجهزته الأمنية ، ولم يبق من الشعارات والأهداف المرفوعة في المرحلة الغابرة سوى الادعاء المكشوف والكذب الصريح حتى كفرت الناس بها أو تكاد.

وبعد أن كان الذم واللوم ينصب فيما سبق على الدول الملكية التي كانت توصف بالرجعية غدت بالمقارنة أمثلة أكثر قبولاً للاستقرار والتطور الأمر الذي ربما يفسر بقاءها بمنأى عن عدوى الربيع العربي حتى الآن. ولعل المفارقة الأكبر أن هذه الأنظمة الجمهورية اتجهت إلى التشبه بالأنظمة الملكية التي كانت تهجوها فتأبد حكامها وورثوا أبناءهم السلطة من بعدهم، وبالتالي انغلق باب التغيير الذي كان يمكن رجاءه بوفاة الحاكم، وكانت هذه هي القطرة التي طفح بها الكيل.

2

لو عدنا إلى تأمل أمثلة الموجة الثورية الأولى نجدها بالإجمال عملاً نخبوياً لعبت فيه الأحزاب والحركات القومية دوراً تبشيريا، ونفذته بضربة واحدة مجموعات عسكرية مصممة بشكل مسبق على هدف التغيير ومساره؛ وبالتالي كانت ثورات من الأعلى ذات قيادة واضحة وأفكار محددة تعتقد أنها تمثل الإرادة الشعبية وأن لها الحق بالتالي باحتكار السلطة من أجل تنفيذها، وربما كانت هذه هي الثغرة الأهم التي نفذ منها الخراب بعد غياب قيادتها التاريخية الكبرى.

أما في حالة الربيع العربي وبسبب الانسداد السياسي الكامل الذي أشرنا إليه في الأنظمة العربية، ومصادرة كل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش لصالح السلطة الحاكمة، وبالتالي هزالة الأحزاب والحركات والنخب الثقافية المعارضة، كان طبيعياً أن يتأخر الانفجار طويلاً وأن يكون عفوياً وشعبياً ودونما قيادة موحدة جامعة أو لون ايديولوجي يصبغه اللهم إلا من مطالب عامة لكنها تمثل الوجع الذي دفع جمع الشعب الغفيرة إلى الثورة، ألا وهي الحرية والكرامة والعدالة ورفض العبودية والاستبداد. وكان لافتاً غياب المطلب الوحدوي ربما لأن معظم هذه الأنظمة نتاج الحركات القومية رغم أنها فقدت كل صلة بها سوى الادعاء، لكن حدوث هذا الانفجار الثوري في شتى الأرجاء العربية بشكل متزامن ومتماثل وبنفس المطالب وبنفس الجموع الشعبية وبتبادل للخبرات ما بين الشباب الثائر في كل الساحات كان بحد ذاته أبلغ تجسيد لوحدة الأمة العربية ووحدة آلام جماهيرها ووحدة توقهم للانعتاق من قيود الاستبداد ووحدة طموحاتهم في بناء مجتمع آمن متقدم تكون فيه الكلمة للشعب حقاُ دونما استثناء أو إقصاء.

وفي مقابل غياب دور الأحزاب والحركات على اختلاف أنواعها وايديولوجياتها كان دور الشباب لافتاً في إشعال فتيل هذا الحراك الهائل وفي إذكائه معتمدين على وسائل الاتصال الحديثة التي كانت تنقل الأحداث والصور لحظة وقوعها مما جعل الجموع الشعبية في كل المدن والنجوع والميادين على تواصل دائم وتفاعل مستمر.ولكن عفوية الحراك وغياب القيادة الجامعة والبرنامج الواضح وتشتت قواه لعبت دوراً كبيراً في إطالة أمد التغيير وعدم اكتماله بل وانتكاسته في جل هذه الساحات حتى عندما نجح بالإطاحة برؤس معظم النظم، وللمفارقة فإن الأحزاب والقوى التقليدية وبسبب تلك السمات استطاعت ركوب الموجة وأزاحت معظم القوى الشبابية التي كانت أهم صناع هذا الحدث العظيم.

3

بدا الربيع العربي في بداياته جميلاً واعداً تجلى في صور بهية من الحراك الشعبي السلمي الذي ملأ الساحات والميادين وتزاحمت في هتافات شبانه وشاباته واللافتات التي رفعوها الشعارات المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والدولة المدنية والوحدة الوطنية، واستطاعت الجماهير فعلاً وفي فترة قياسية قصيرة إجبار رأسي النظام في تونس ومصر على الهرب أو التنحي، وحدث ما يماثل ذلك في اليمن بعد تلكؤ وضغوط من دول جواره الخليجية.

إلا أن هذه البدايات المبشرة آلت عبر السنوات الـ5، التي قطعها الربيع العربي إلى أوضاع مخيبة للآمال في مجملها وصادمة بل ومفجعة في بعضها؛ ففي ليبيا وسورية أدى القمع العنيف للحراك الشعبي والتنكيل البشع بنشطائه وزج الجيش في مواجهة الجماهير العزلاء إلى تحول مسار الثورة السلمية إلى صراع مسلح مدمر تتالت نتائجه الوخيمة في دفع كثير من قوى الحراك إلى التطرف واللجوء إلى العنف المضاد واعتناق الأطروحات الإرهابية، وبالتالي تفاقم ظاهرة التنظيمات الإرهابيات التي تقاطرت من كل حدب وصوب لنصرة إخوة الدين – حسب ادعائهم – الذين يواجهون حرب إبادة كما في الحالة السورية التي ساهمت في تسويغ هذه الادعاءات طبيعة النظام الطائفية، ومساندة إيران له، واستدعائه قوى ومليشيات خارجية ذات طبيعة طائفية للقتال إلى جانبه مثل حزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق العراقية وغيرها من كل حدب وصوب، وما لبثت هذه التنظيمات أن تحولت إلى وحش كاسر تمثل في دولة "داعش"، التي بسطت سيطرتها على أجزاء واسعة من سورية والعراق، وامتد خطره ليشمل كل المنطقة العربية.

وعلى عكس الشعارات المؤكدة على وحدة الشعب وتلاحم مكوناته التي رفعت في بدايات الحراك تفاقمت ظاهرة الانقسام الإثني والمذهبي وتصاعد الحديث – بالحق أو الباطل – عن حقوق الأقليات وتمثيلها على نحو خاص في أية حلول سياسية، ووصل الأمر إلى التلميح أو التصريح بحق الانفصال كما في الحالة الكردية، وتصل بعض الأطروحات إلى حد اقتراح تقسيم سورية والعراق إلى دويلات أو إثنية وطائفية.

ولقد زاد في قتامة الصورة تحول ساحات الربيع العربي إلى مجال لتدخل القوى الخارجية الإقليمية والدولية، وأصبحت ميداناً لصراعاتها وتصفية حساباتها أو تحقيق أجنداتها ومطامعها في المنطقة، ووصل الأمر إلى ما يشبه الاحتلال المباشر كما فعلت روسيا في سوريا وما تقوم به إيران بشكل مباشر أو عبر وكلائها المحليين في سورية واليمن والعراق ولبنان والخليج.

 وبالطبع لا يمكن إغفال القوى الغربية التي كانت بالأصل تستعمر هذه المنطقة، وكانت وراء تقسيمه قبل قرن من الزمان، وهي تمارس دوراً ملتبساً وخبيثاً في منع وصول الربيع العربي إلى غاياته المرجوة، وتستغل تداعياته التي ذكرنا في تقسيم نسيج المجتمع العربي هذه المرة بما يتجاوز تقسيم الجغرافيا الذي حدث مع سايكس بيكو.

وحتى في الأمثلة التي لم يحدث فيها احتراب مسلح كما في حالتي مصر وتونس، لم يصل فيها الربيع العربي إلى مآلاته الكاملة؛ ففي مصر عادت الأوضاع إلى ما يشبه ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير، حيث استطاع فلول النظام، ورجال الأعمال الذين كانوا يساندونه استغلال ردة الفعل الشعبية على فترة حكم الإخوان القصيرة، التي حاولوا فيها اختطاف المجتمع باتجاه رؤيتهم الإيديولوجية، ومارسوا بذلك مجدداً إقصاء الآخرين الذي كان بالأصل وراء ثورة الربيع العربي، وتنذر الحلول الأمنية التي لجأ إليها النظام الحالي سواء في مواجهة ظاهرة الهجمات الإرهابية المتكررة في أنحاء مصر، وبالذات سيناء أو في مواجهة تملل القوى الشبابية، والثورية التي ترى أنها همشت رغم دورها الكبير في إطاحة نظام مبارك، تنذر بعدم استيعاب دروس ما حدث في بلدان الربيع الأخرى.

أما تونس فكانت الاستثناء الوحيد حيث نجت من مصير مثيلاتها بفضل وقوف الجيش على الحياد تماماً، وإيثار القوى السياسية الإسلامية والعلمانية فيها التعايش على التناحر، ومع ذلك تتجمع فيها سحب التذمر الاجتماعي بسبب فشل حل مشاكل البطالة والتنمية ما ينذر بحراك شعبي جديد.

4

تطرقنا في ثنايا استعراضنا في الفقرات السابقة إلى بعض أسباب تعثر ثورات الربيع العربي، وهي أسباب عامة تنطبق على جميع الحالات؛ نستطيع إجمالها في ما يلي:

- عفوية الحراك وغياب الرؤية الشاملة المنظمة لمساره.

- تشتت قوى الحراك وغياب القوة القائدة والموحدة له.

- أنانية القوى المشاركة في الثورة وصراعاتها البينية.

- دخول أجندات أخرى استغلت الصراع؛ فبعض القوى السياسية التقليدية حاولت ركوب موجته للقفز إلى السلطة أو الحصول على موقع فيها، وقوى التطرف الإسلامي رأت فيه فرصة لحرفه نحو أفكارها وأجندتها الإرهابية، وبعض القوى ما قبل المجتمعية العشائرية والإثنية والمذهبية رأت فيه فرصة لتحقيق المكاسب وربما الانفصال.

- تدخلات القوى الإقليمية والدولية لتوجيه الأحداث بما يحقق مصالحها وهيمنتها في المنطقة العربية، فمنها ما تدخل لصالح الأنظمة وقاتل إلى جانبها كما حصل في الحالة السورية ومنها ما تدخل لصالح مكون مجتمعي كما حصل في اليمن ومنها ما استغل حاجة فصائل الثورة المقاتلة إلى السلاح والدعم ليكسب ولاءه ويستخدمه في مساوماته وأجندته.

وتظل الحالة السورية أكثر حالات الربيع العربي تعثراً وتعقيداً ومأساويةً فهي الحالة الوحيدة التي لم يسقط فيها النظام، وإن كان قد فقد سيطرته على القسم الأكبر من البلد، وحصل فيها أكبر قدر من العنف والدمار والقتل والتهجير وتفكك المجتمع وانهيار الدولة وأكبر قدر من التدخل الإقليمي والدولي بحيث خرج الصراع فيها من يد السوريين ليصبح رهناً بما تقرره القوى الدولية الكبرى والقوى الإقليمية المتورطة فيه.

ويمكننا أن نضيف أسباباً ذاتية لتعثر الحالة السورية تمثلت في قصور الأطر السياسية التي تشكلت للتعبير عن الثورة فيها، بدءاً من هيئة التنسيق والمجلس الوطني السوري، وانتهاء بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية حيث لم ترقَ جمعيها إلى استيعاب كل قوى الثورة، وتمثيل مصالحها على النحو المطلوب، وهيمنت عليها القوى السياسية التقليدية التي انشغلت بصراعاتها البينية، وخضعت للتجاذبات الإقليمية والدولية، إضافة إلى فقدانها السيطرة والتأثير على الفصائل المقاتلة التي نشأت بمعزل عنها بحكم تحول الحراك الشعبي إلى حراك مسلح فرضه عنف النظام وإصراره على إخماد الثورة عسكرياً، وزاد في الوضع سوءاً اتجاه الدول العربية والإقليمية الداعمة لهذه القوى المقاتلة إلى التركيز على دعم الإسلامية منها على وجه الخصوص، ما أدى إلى خفوت المطالب المدنية الديموقراطية التي كانت سمة الحراك الشعبي السوري في أشهره الأولى.

5

لعل مما لا شك فيه أن الربيع العربي بأسباب اندلاعه ومآلاته الكارثية التي رأينا يضع الكيان العربي كأمة، وكيان كل بلد فيها أمام أخطار جسيمة تهدد وجودها ومستقبلها، وبالتالي فإن الخطوة الأولى للخروج من هذه المحنة تتمثل في وعي هذه الأخطار وعياً عميقاً واستنفار كل المقدرات لتجاوزها، ويمكن إجمال أهم هذه الأخطار فيما يلي:

- عودة هيمنة القوى الدولية على المنطقة قراراً ومقدرات، وتعاظم أخطار أطماع دول الجوار الإقليمي "إيران، وتركيا، وإثيوبيا"، وترسخ وجود الكيان الصهيوني مقابل انهيار النظام العربي.

- انهيار كيانات الدول العربية الحالية الذي لم يعد احتمالاً نظرياً في كثير من الحالات، خاصة في العراق وسورية وليبيا واليمن، وكان قد حصل قبلاً في السودان، وبالتالي بعد أن كنا ننادي بوحدة الأمة انتقلنا إلى الخشية على وحدة أجزائها.

- تفتت النسيج المكون للمجتمع داخل كل بلد مع تزايد النعرات الطائفية والعرقية وتعاظم التوتر الذي يصل إلى العداء والاحتراب فيما بينها "سنة ضد الشيعة، المسيحيين ضد المسلمين، الأكراد ضد العرب، العرب ضد الأمازيغ .. وهكذا".

- خطر المشروع الفارسي الذي تغلغل في المنطقة العربية حيث هيمن على العراق وسورية ولبنان واليمن ويتهدد البحرين والسعودية، محاولاً اختطاف الشيعة العرب وزجهم في مواجهة بقية النسيج العربي، بل وتوريطهم في قتال طائفي كما يحصل في الأقطار المذكورة.

- خطر المشروع الإرهابي التكفيري الذي يجسده "داعش"، الذي يهدد باختطاف الإسلام، وبالتالي يخرب عقيدة الأمة ويفور للقوى الخارجية المتربصة بها أداة للتخويف وللاحتراب الداخلي.

- استفحال مشاكل الفقر والبطالة واختلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتهميش الذي يطال الشباب بالدرجة الأولى ما يدفعهم إلى مهاوي اليأس والسخط والتطرف والخروج على المجتمع.

وأثبت الربيع العربي من جهة أخرى، أن عملية التغيير لا يمكن أن تكون حكراً على تيار سياسي أو فكري بعينه وأن جميع تيارات الأمة وقواها المجتمعية في مركب واحد، وبالتالي لا بد من تجاوز حالة الصراع السلبي والإقصاء المتبادل ما بين القوى الإسلامية والقومية والليبرالية المنتمية إلى المشروع الوطني، وتجميع قواها من أجل تجاوز هذه الأخطار المصيرية، كما لا بد من محاربة الفكر التكفيري على الضفة الإسلامية والتخويني على الضفة المقابلة لدى القوميين والإسلاميين.

كما سقط أيضاً التصنيف التقليدي للدول العربية الذي كان سائداً في مرحلة الخمسينات والستينات، علماً بأن الانهيار الذي استعى اندلاع الربيع العربي حصل أساساً في مجموعة الدول التي كانت محسوبة على المشاريع التقدمية والقومية.

 وأصبح من الضروري في هذه المرحلة تجمع الدول العربية التي لم يطلها الربيع العربي من أجل تحمل دورها في مساندة تلك الدول والتركيز على دور أساسي للمملكة العربية السعودية خصوصاً والخليج عموماً باعتبارها المستهدف الأساسي من المشروع الفارسي، كما تزداد أهمية تعافي مصر باعتبارها القطر المركزي في المنطقة والتحامها بالتجمع المذكور.

كما لا بد من العودة إلى المشروع النهضوي العربي الذي طال تعثره وتخليصه من الانحيازات الإيديولوجية والمصلحية الضيقة التي طالما وضعت القوى العربية الحاملة له في تناقض ما بين ما تنادي به وما بين اصطفافها إلى قوى الاستبداد.

وأخيراً، لا آخراً، الشروع في تنمية حقيقية وجادة اقتصادية واجتماعية تركز بشكل أساسي على جموع الشباب العربي باعتبارهم أمل المستقبل وأداة بنائه.

الدكتور خالد الناصر أمين عام التيار الشعبي الحر وعضو الائتلاف السوري المعارض.

 


مواضيع متعلقة