هل يمكن تجديد الفكر الدينى دون حرية اعتقاد؟

لدينا تاريخ من الاضطهاد للمفكرين المجددين فى الفكر الإسلامى، وكلها تتم عبر القضايا التى تُرفع على المفكر ثم تتحول إلى حكم بالحبس، منذ اتهام الدكتور طه حسين بالكفر والإلحاد بإصدار كتاب فى الشعر الجاهلى، لاستخدامه منهج ديكارت فى التاريخ الإسلامى، أيضاً كتاب الدكتور على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم» أو الدكتور نصر حامد أبوزيد فى بحث للترقى إلى درجة الأستاذية بكلية الآداب وحكم عليه بالتفريق من زوجته، استناداً إلى التقرير بإلحاده وخروجه من الملة بسبب أبحاثه، ثم أخيراً قضية الباحث إسلام بحيرى، الذى قدم برنامجاً تليفزيونياً تعرض فيه بالنقد والتقييم لأقوال الفقهاء الأوائل وعلى رأسهم ابن تيمية، السؤال هنا هو هل يمكن أن نحقق تقدماً فى تجديد الخطاب الدينى ونحن نصدر أحكاماً بالسجن والحبس على كل من يُعمل العقل؟ هل مصادرة حرية الفكر والاعتقاد يمكن أن تتيح فرصة للتفكير العلمى وفقاً للمناهج العلمية؟ الدستور المصرى قدم الحماية لحرية الفكر بموجب نص المادة 64 التى تمت صياغتها بعبارة قاطعة هى «حرية الاعتقاد مطلقة»، كما أضافت المادة 65 «حرية الرأى والفكر مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك، من وسائل التعبير والنشر، مما يعنى وتطبيقاً لهذه المواد فى الدستور أن اعتقاد الشخص بأى معتقد فكرى أو دينى هو، وكذلك التعبير عن هذا المعتقد بأى وسيلة، حق أصيل لا يجوز وضع أى قيد عليه، كما أنه لا يجوز العقاب عليه.

فى الحقيقة وبشكل مباشر نحن بهذه السياسة نغلق الباب أمام أى اجتهاد، طالما وضعنا سيف العقاب على كل من يفكر خارج الإطار الحاكم والناظم للأفكار منذ القدم وحتى الآن، فقد رأينا أن عصر التنوير الأوروبى حدث عندما تحققت حركة نقدية للتراث وإصلاح للدين ورجال الدين وتطوير مناهج التفكير وإخضاع كل شىء للبحث العلمى والتفكير المنطقى، لا سيما أن التراث الدينى لدينا يحتاج فعلاً لاستخدام مناهج حديثة لتخليصه مما علق به من أدران خلال مسيرة التاريخ، لا سيما فى عصور الانحطاط الفكرى وتستخدم الآن من قبل تنظيم داعش وغيره من تنظيمات التطرف لقتل الجنود والضباط وتفجير الآمنين السالمين وتفتيت الأوطان.

العقوبة التى أصدرتها محكمة جنح مستأنف مصر القديمة تعد مصادرة لهذا الحق الدستورى، صحيح أنها خفضت العقوبة من السجن 5 سنوات إلى سنة حبساً، لكن يظل سيف التجريم مسلطاً على رقبة كل مفكر جاد ويغلق أبواب الاجتهاد، لأنه اتباع من كانوا قبلنا فى هذه الحالة أسلم وأأمن لا يعرضه للعقاب، الأخطر أن المادة المستخدمة هنا للعقاب فى قانون العقوبات رقم 98 وتمت إضافتها لقانون العقوبات عام 1982 بعد اغتيال الرئيس السادات، لمواجهة الأفكار المتطرفة، فقد جاء بالمذكرة الإيضاحية بالقانون 29 لسنة 82 أضيفت مادة جديدة لمعاقبة كل من يستغل الدين ويعمل تحت ستاره لترويج وتحبيذ الأفكار المتطرفة. إلا أن المادة استخدمت فعلياً ضد مجددى الفكر الدينى، وسوف تستخدم لا سيما أن هناك قضايا سبق أن رُفعت على إبراهيم عيسى وأتوقع أن تستمر هذه المحاولات ضد مفكرين جدد لإرهابهم ومنعهم من مواجهة أفكار التطرف والمغالاة، فى الحقيقة لا يمكن أن نحقق تجديداً للفكر الدينى يخلصنا من معتقدات التكفير والتطرف التى أُلصقت زوراً بالإسلام والمسلمين دون أن نطلق حرية الاعتقاد على إطلاقها للمجددين والمفكرين فلا تجديد للخطاب الدينى دون حرية فكر واعتقاد.