«معبر رفح» فخ الصراع

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

قطاع غزة الأكثر ازدحاماً بالسكان نسبة لمساحة الأرض فى العالم، أشبه بالكائن المشوه البائس، الذى وضعه حظه العاثر بين أنياب الصراع السياسى والأيديولوجى، فكانت النتيجة حصار أكثر من مليونى شخص فى مساحة لا تتجاوز 360 «كم مربع»، يعانى شح الموارد ويواجه بطالة مفزعة، يرزح معظم سكانه تحت خط الفقر منذ الانقسام الذى عصف بوحدته على أثر استيلاء حركة حماس على الحكم عام 2007، ليس له من متنفس على العالم الخارجى، فهو محاصر شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، تحول سكانه إلى أسرى محتجزين فى حناياه الضيقة العاجزة على الاستيعاب، اقتصاد منهار، بنية تحتية مدمرة بفعل الحروب الإسرائيلية المتكررة، المنفذ الوحيد لسكان القطاع هو معبر رفح الحدودى مع مصر، وهو دائم الإغلاق لأسباب كثيرة أهمها الوضع الأمنى الملتبس فيه، سيطرة حركة حماس على المعبر أفقدته شرعية التواصل مع العالم الخارجى، فالسيادة عليه أصبحت محط خلافات وجدل كان المواطنون القابعون ضحيتها فى أحضان الفاقة، خاصة بعد سيطرة حماس على إدارته الأمر الذى اعتبرته السلطة الفلسطينية قفزاً على الشرعية وانتهاكاً لاتفاق المعابر عام 2005، وهو الاتفاق الذى يقضى بإدارة السلطة الفلسطينية للمعبر فى ظل وجود مراقبين دوليين، لكن الصراع السياسى بين حماس والسلطة فى رام الله قضى على أى بارقة أمل فى حل مشكلة المعبر، وبالتالى ليس هناك ثمة انفراجة للمحاصرين فى القطاع بتنقلهم الإنسانى ذهاباً وإياباً بشكل طبيعى للعالم الخارجى.

مؤخراً طرح محمد دحلان، القيادى فى حركة فتح مبادرة للمصالحة بين الأطراف المتصارعة لإنهاء هذا الحصار المدمر على القطاع، تتضمن تصورات عملية لوضع معبر رفح وحل مشكلته الأمنية والسياسية بهدف ترسيخ الوحدة على أسس وطنية وسياسية ثابتة، الغريب كان استجابة حماس للمبادرة واستعدادها لبحث صيغة فلسطينية داخلية لحل أزمة استمرار إغلاق المعبر، وبحسب محمود الزهار، القيادى فى حماس، فإن هناك اقتراحاً بوضع شخصيات مستقلة للإشراف عليه، لكنه شكك فى الوقت نفسه فى قبول الرئيس عباس هذا الأمر!!

وبغض النظر عن الصراع الدائر بين حماس والسلطة واتهام كل منهما للآخر، فإن مشكلة معبر رفح باتت تشكل أزمة لجميع الأطراف يصعب معها توقع المستقبل، فمن جهة شكل إغلاق المعبر لفترات طويلة حالة من الركود الاقتصادى المدمر لسكان قطاع غزة، وقضى على مستقبل الذين لديهم ارتباطات فى الخارج، سواء كانت تعليمية أو وظيفية أو لدواعى العلاج أو التجارة، ومن جهة ثانية أفرزت الأنفاق بين مصر وغزة حالة من التكدير الأمنى والسياسى لما سببته تلك الأنفاق من اختراقات أمنية على حدودها الشرقية، تهدد السلم والأمن القومى لمصر التى تعانى إرهاباً شرساً فى سيناء، كانت نتيجته إنشاء شريط حدودى عازل بدأت مصر بتنفيذه فى منطقة رفح فى أكتوبر عام 2014 يمتد 13 كم على طول الحدود مع غزة بعمق 500 متر داخل الحدود المصرية، والهدف منه منع حفر الأنفاق، ووقف أعمال التهريب من قطاع غزة وإخلاء المنطقة من أى نشاط مدنى مع حفر مانع مائى.

معاناة قطاع غزة متشعبة ومتشابكة يتنازعها قطبا الصراع حماس والسلطة الفلسطينية متمثلة بالرئيس محمود عباس، حماس تدعى أنها سلمت الحكم لأبومازن والكرة الآن فى ملعبه وعليه الإيفاء بما عليه من التزامات، وعلى رأسها انعقاد المجلس التشريعى والدعوة لفتح نقاش وطنى حول أولويات العمل الوطنى، غير أن الواقع يقول إن السيطرة الكاملة على القطاع ما زالت فى يد حماس بما لديها من نفوذ واتخاذ القرار فى قطاع غزة، ما يشكل حجر عثرة أمام استعادة أبومازن لسلطته الكاملة فى القطاع بما فيها التحكم فى معبر رفح الحدودى، والذى يعتبر معضلة أساسية فى طريق الحل السياسى خاصة مع مصر.