بروفايل| في ميلادها الـ80.. من قلبي سلام لـ"فيروز"

كتب: إيمان مرجان

بروفايل| في ميلادها الـ80.. من قلبي سلام لـ"فيروز"

بروفايل| في ميلادها الـ80.. من قلبي سلام لـ"فيروز"

بخطى واثقة، تسير السيّدة حتى تصل إلى المسرح الأنيق، تبدأ الموسيقى وتبدأ هي بعدها، لحظات قليلة، ويهبط صوتها عذبًا من فوق جبال لبنان، يسير بشكل دائري، كأن لبنان مركز وما حوله دائرة، تنثر الجبال صوتها في كل مكان، فتلتقطه قلوب العشاق، ترتعش الروح من الصوت كنشوة العاشق الذي انتظر معشوقه عمرًا فأتاه، تسكن كل الأشياء في حضرتها، ولا يبقى سوى صوتها العذب.. يدندن ويدندن، ويشفي القلوب التي أضناها الهوى.

تنجذب الآذان لصوتها كحبة النور التي تأتي من قلب الظلمة، فتتحول مع الوقت إلى كوكب درّي لا يضاهي نوره شيء، يحيطها دفء أنغام "الرحبانية" زوجها وأخيه ومن بعدهما ابنها زياد، مدينون لهم نحن بوجود "صوت الملائكة" على الأرض، تلك العائلة الصغيرة التي خطت بنغمات دقيقة ومتقنة تاريخًا جديدًا في عمر العشاق الذين لجأوا دائمًا إلى صوت "السيّدة" في الخصام "زعلي طول أنا وياك"، وحين اشتاقوا "كيفك انت"، وحين أضناهم الحب بلا أمل "أهواك بلا أمل"، وحين أسكرتهم نشوته "شايف البحر شو كبير.. كبر البحر بحبك"، وحين حين أشقاهم لجأوا إليها "الله معك يا هوانا"، وحين صارعتهم الكرامة والحب "إيه في أمل".

ولدت "جارة القمر" كما يُسمّيها عُشَّاقها وهم كُثُر في حارة زقاق البلاط في لبنان عام 1935، لأسرة بسيطة الحال. اسمها الحقيقي نهاد رزق وديع، عشقت الغناء منذ طفولتها، وقالت في مقابلة صحفية معها منذ فترة: "كنت أعشق الموسيقى، ولم يكن معنا ما يكفي من المال، كنت أستمع إلى الموسيقى عبر مذياع الجيران، وكنت أغني كثيرًا، وكانوا ينزعجون مني، حتى أنّهم حين غيّروا المنزل قالوا إنّهم ارتاحوا من صوتي"، أما نحن، فنتمنى للسيدة أن تظل قمرًا يضيء سماء العشاق للأبد.

يشجع صوتها على الحياة، يلمس جدار القلب، ويداوي القلوب المنكسرة في زمن تحطمت على أعتابه الكثير من المعاني، هي فريدة في كل شيء، غنّت أغنيّة كاملة بكلمة واحدة "يا ليلي" فلم ينزعج عُشّاقها، بل حفظوا الفواصل والآهات عن ظهر قلب ورددوا وراءها، لم تنس "السيدة" مناجاة الرب، تضرعت إليه بصوتها الملائكي، توسلت إليه ألا يتركها "لا تهملني.. لا تنساني"، غنت للوطن "يا وطني" و"من قلبي سلام لبيروت" و"بحبك يا لبنان"، وصلت كي تعود القدس المحتلة لأصحابها "لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي"، حتى الإسكندرية لم تنسها حين شدت "شط إسكندرية يا شط الهوا".

الليلة الماضية.. أطفأ محبوها الشمعة الـ80 في عمرها، وتضرعوا أن يبقيها الله دائمًا كي تداوي قلوبهم المنكسرة، في حضرة "السيدة" يبقى المحبون، تمر السنوات ولا تقل محبتها في قلوبهم، هي نقطة الضوء الوحيدة القادرة على إسعاد قلوب الملايين في زمن الحروب والأزمات، في يوم عيدها.. من قلوبنا سلامٌ لفيروز.

 


مواضيع متعلقة