«الوطن» تحقق من حلوان: بيوت متهالكة وفقر وزواج مبكر وبشر منسيون

«الوطن» تحقق من حلوان: بيوت متهالكة وفقر وزواج مبكر وبشر منسيون
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى
على أطراف قرية شبه معزولة، لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال طرق وممرات غير ممهدة، تنتهى إلى بيوت متهالكة متداخلة لا يفصل بينها سوى أزقة تكفى بالكاد لمرور شخص أو اثنين، للوهلة الأولى تبدو البيوت كلها كأنها منزل واحد مشترك متعدد الحجرات، ويبدو أهل القرية كأنهم أسرة واحدة لا يدخل بينهم غريب، وسط مشتركات عديدة تجمع بينهم: الفقر، البؤس، الانعزال، عدم الاكتراث بكل ما يحدث خارج حدود هذه الأرض، وبلا شك البشرة السمراء التى يحملها كل صغير وكبير فى هذه القرية.. «الحبة السمرا». {left_qoute_1}
على الأرض، الأطفال يلعبون بالرمال والحجارة وأحياناً فوارغ طلقات الرصاص، لا وسيلة أخرى للترفيه يمكن للأطفال أن ينشغلوا بها داخل قرية فقيرة من كل شىء، حتى فى مياه الشرب، هم أول من يستقبلون كل غريب بالصياح، ومن ورائهم الكلاب التى تعوى، فالقرية التى تبعد عدة كيلو مترات فقط عن مركز التبين التابع لأكبر المدن الصناعية بحلوان، تبدو كأنها فى عالم آخر ممنوع على الغرباء المرور إليه، قرية سقطت من كل الحسابات حتى ظهرت وكأنها تنتمى فقط لمرحلة «أهل الكهف».
«محمد خالد» طفل صغير سناً، يبلغ فقط 13 عاماً، لكنه كبير فى أشياء أخرى عديدة، يجلس القرفصاء يجمع فوارغ طلقات الرصاص صبيحة يوم جمعة، بعد فرح كبير اجتمع فيه كل أهالى القرية واستمرت احتفالاته على مدار ثلاث ليالٍ، فى بداية الأمر كان يرفض الحديث، لكنه بعد ثوانٍ اطمأن فيها إلى الزائر الغريب عن قريته، قال: «باجمع فوارغ الطلق وبانزل أبيعه فى حلوان، هو ده أكل عيشى هنا، احنا أكتر حاجة عندنا الطلق والحجارة»، لا يعرف الطفل عن التعليم شيئاً سوى أنه اعتاد الذهاب إلى «كُتّاب القرية» لحفظ القرآن فى سنواته الماضية، حتى تركه عندما أتم عامه السابع، الحديث عن المدرسة أظهر على وجهه ابتسامة بيضاء لمعت فى محيط وجهه الأسمر: «مدرسة إيه؟» يتساءل ساخراً، ثم يستكمل حديثه: «معندناش مدرسة نروحها وأنا دلوقتى راجل العيلة ومسئول عنها»، يحزن الطفل كثيراً عندما يسأله أحد عن والده الذى رحل عنه وأشقائه وهم صغار وتوفى إثر حادث على طريق أسيوط الدولى، أثناء عمله سائقاً لإحدى الشاحنات لنقل البضائع، تغيب عنه الابتسامة ويتحدث كأنه ابن الستين عاماً: «أبويا مات فى حادثة كل اللى كانوا معاه عايشين وهو اللى راح فيها، سابنا وماتبقاش منه غير الذكرى الحلوة»، كل ما يتمناه «محمد» أن يجمع قدراً كبيراً من المال ليستطيع بناء منزل من الحديد والأسمنت، «مش عايز أفضل أنا وأهلى وإخواتى عايشين فى بيت طين». {left_qoute_2}
أهالى القرية لم يفكروا يوماً فى حكومة أو مسئول لحل مشكلاتهم، فهم لا يعرفون اسم أى من المسئولين سوى «الرئيس السيسى» بحسب نطقهم، وما دون ذلك فلا يوجد مسئول يعرفونه أو يهتمون بمعرفته، مياه الشرب أهم مشكلة تواجههم، حاولوا التغلب عليها من خلال جراكن المياه التى يقومون بشرائها، «الميه الحلوة اللى بيقولوا عليها معدنية بفلوس كتير، ومقدمناش غير الميه اللى تلوثت من المصانع أو الترع اللى مليانة زبالة وصرف»، تقول «سنية عبدالله» المعروفة بـ«أم سيد»، المسئولة عن جمع جراكن المياه فى رحلة طويلة وتوزيعها على المنازل مقابل جنيهات قليلة تتحصل عليها، فتصطحب حمارها صباح كل يوم عبر دروب صحراوية حتى تصل إلى نقطة بالصحراء، لا ترى فيها بشراً عند بئر عذبة تقوم بملء الجراكن منها، ما يزيد على عشرة كيلومترات تقطعها السيدة ذهاباً وإياباً لمسكنها بجوار المدافن التى دفن فيها جدها ووالدها داخل القرية، فتقول السيدة الأربعينية «أنا مش بمسك فى سعر معين للجركن، دى شغلانتى من سنين طويلة والناس غلابة، اللى بييجى باخده وانا ساكتة، وكلنا حالنا من حال بعض، عايشين هنا لحد ما نموت أو تحصل معجزة».
السيدة التى تسكن بمنزل متهدم مبنى بالطوب الحجرى لم يستطع زوجها استكمال بنائه بعد أن هزمه المرض وتوقف عن عمله أجيراً بإحدى الأراضى الزراعية القليلة بالقرية باليومية، ضيق الرزق وعدم وجود فرص عمل بالقرية الفقيرة دفعها للخروج والبحث عن عمل، وتقول «سنية»: «باجيب ميه للشرب من مناطق بعيدة وببيع منها وأخلى الباقى لأولادى وجوزى، منها أحل أزمة وفكة للزنقة»، تتعرض للكثير من المضايقات أثناء دخولها وخروجها من القرية فإما لدفع الإتاوة لأحد الأعراب المسيطرين على المنطقة فى سبيل توفير الحماية لها، أو ترك بعض جراكن المياه التى قطعت لأجلها مسافة شاقة بصحبة حمارها، تبدأ مع طلوع الشمس وتنتهى عند غروبها، لدى «سنية» 3 بنات وولد، أكبرهم «سيد» الذى أتم عامه العاشر مؤخراً ومنى 6 سنوات وهند 4 سنين ومى 3 سنوات، لكن ما زالت الابنة الأخيرة تعانى مرض الفشل الكلوى، المرض الذى اشتبه به أحد الأطباء أثناء حملة طبية بالقرية جاءتهم مرة من حيث لا يدرون ولم تتكرر مجدداً، أكد خلالها أن المرض اكتسبته ليس عن طريق العدوى أو الوراثة، لكن المصدر واحد وهو المياه غير الصالحة للشرب، فتقول الأم: «الميه عندنا نسبة التلوث فيها عالى، علشان جنب المصانع والترعة مليانة صرف»، محاولات «أم سيد» فى الحصول على المياه أحياناً تنتهى بالفشل، «بضطر أجيب ميه بعيد عن القرية بـ20 كيلو علشان تبقى أنضف»، لا تنتهى معاناتها فى البحث عن المياه هى وحمارها من قرية لأخرى حتى تضطر فى بعض الأحيان أن تشتريها من العرب مرة أخرى وتعود لتبيع بعض منها لجيرانها، لكن فى هذه الحالة تضطر لتحديد سعر لـ«الجركن»: «لو اشتريت بجيبه بـ5 جنيه، واضطر أبيعه بأغلى من كده، ممكن 6 أو 7، وطبعاً ده كتير على الناس بتوعنا، بس أحياناً بيكون الحل الوحيد». {left_qoute_3}
ظلمة قاتمة تشهدها القرية بمجرد انكسار شمس النهار، أمام أحد المنازل الطينية تجلس «نوال عبدالله»، التى تخطت عامها الستين بعامين، تمكث مع ابنها الذى يعمل سباكاً باليومية وزوجته التى ترافقها طيلة الوقت، تقول السيدة الستينية بصوت يحمل جرعات كبيرة من اللامبالاة: «يا ولدى احنا ميتين مش عايشين، بنام من المغرب ومعزولين عن الدنيا»، مؤكدة أنه لا توجد أى وسيلة اتصال بالقرية أو نجدة لإسعاف المريض سوى سكانها، «المقابر جنبنا علشان الدفن يكون سهل، اتعودنا على ريحتها وروحها، وكل واحد معاه كفنه واللى معهوش الجامع عنده ببلاش»، واستطردت بسخرية تحمل قدراً من الحسرة كبيراً: «دى الحاجة الوحيدة اللى ببلاش»، السيدة التى تجلس بجوار قبر زوجها تحرسه خوفاً من نبش الكلاب الضالة وحرصاً على رفات الزوج ووالدها، توضح «الكلاب مش سايبة لا حى ولا تعرف حرمة ميت».
بالقرب من منزل «نوال» الستينية، تجلس «فادية محمد» الشابة التى تبلغ 22 عاماً فقط على حصيرة متهالكة، لا يملأ حياتها سوى أطفالها الصغار الذين ترعاهم بعد دخول زوجها السجن عقب اتهامه فى إحدى قضايا المخدرات، تقول «بشتغل فى البيوت مرتين فى الأسبوع، وبنتى 8 سنين وفى غيابى هى أم العيال»، تعتبر أن زوجها سجن نتيجة للفقر، «اتحبس ظلم، كان كل دوره إنه يوصل حمولة ولما قابل كمين اكتشفوا المخدرات اتمسك هو لأنه فقير وغلبان، والكبار أصحاب الحمولة خرجوا من القضية»، قصة تشبه كثيراً قصص الأفلام والروايات، لكن هنا فى أرض الحبة السمرا، الواقع أكثر خيالاً وأشد ألماً، تتذكر «فادية» عندما أتمت عامها الثالث عشر ليزوجها شقيقها الأكبر بعد وفاة والدها، أملاً فى زواجه هو بمنزل والدهما بعد أن تغادره الفتاة الصغيرة، تابعت «اتجوزت ومافيش ورق غير عرفى، علشان كنت صغيرة جداً، لكن عرفى بمعرفة الأهل والناس كلها، ولما كبرت ندمت»، بنت العشرين الوحيدة لدى أسرتها تشعر بأن شبابها ضاع فى سنوات زواجها التسع، «حسيت إنى كبرت خمسين سنة وأكتر، ومش هعمل فى بنتى كده»، وفاة والدها وسعى شقيقها وإصراره على سرعة تزويجها حتى لا يحمل همها ومسئوليتها ويخلو له المنزل، السبب فى تعاستها الحالية، لكنها ليست حالة استثنائية فى هذه القرية، «كنت صغيرة والبنات فى قريتنا بعد سن 10 سنين بتدور على الجواز وبتبقى مبهورة بالعريس وقلت اشمعنى أنا»، لكنها تستدرك: «لو عاد بيَّا الزمن كنت فضلت التعليم عن الجواز»، من 50 إلى 100 جنيه هو المبلغ الذى تتقاضاه «فادية» مقابل عملها فى «خدمة البيوت» بحسب قولها. أحلام بسيطة تراود هؤلاء المنسيين، حلم «فادية» اقتصر على بناء سقف للمنزل الذى سقط قبل عام وتخشى الآن أمطار الشتاء التى من الممكن أن تحول منزلها لبركة مياه.
شخصان فقط من أهالى القرية التحقا بالتعليم الجامعى، وتمكنا بعد ذلك من مغادرتها، بحسب ما يحكى محمد رمضان الشاب الثلاثينى، «الاتنين دول معروفين هنا فى القرية، وبعد ما دخلوا الجامعة وربنا كرمهم بشغل كويس خدوا أهلهم وعزلوا من هنا»، لا يتوقع أن يتكرر هذا الخروج الآمن مجدداً، «مين تانى هيخش جامعة، دى حالة أو اتنين استثنائية، أكتر واحد هنا دلوقتى معاه إعدادية»، انتخابات مجلس النواب، لا يعرف عنها شيئاً سوى أنها «مضيعة وقت»، الأهالى هنا لم يسمعوا إلا انتخابات واحدة بحسبه «وقت انتخاب الرئيس السيسى، غير كده لا بنسمع ولا بنهتم ولا عمرنا شفنا نائب أو مسئول من الأساس»، لا يتوقع رمضان أن يتغير شىء: «إيه اللى هيتغير يعنى، ناس عاشت وماتت هنا، وإحنا كمان هنعيش ونموت».
«فادية» تعول أسرتها بعد حبس زوجها
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى
- أسرة واحدة
- أهالى القرية
- أهل الكهف
- الأراضى الزراعية
- البحث عن عمل
- البشرة السمراء
- التعليم الجامعى
- الحديد والأسمنت
- الرئيس السيسى
- الطوب الحجرى