عبدالله السناوى: تجاوزات الإعلاميين جاءت من «محسوبين على النظام»

كتب: محمد عمارة وأحمد غنيم

عبدالله السناوى: تجاوزات الإعلاميين جاءت من «محسوبين على النظام»

عبدالله السناوى: تجاوزات الإعلاميين جاءت من «محسوبين على النظام»

«أستشعر أن لدى الرئيس ضيقاً من النقد، رغم أن غالبية الساحة من الإعلام تؤيد الرئيس عبدالفتاح السيسى».. بهذه الجملة بدأ الكاتب الصحفى عبدالله السناوى حواره مع «الوطن»، وأكد حق الرئيس «كمواطن أولاً» فى صون كرامته، وأن يتم التحدث والتعامل معه باحترام، خاصة أنه لا يستخدم لفظاً خارجاً مع أشد معارضيه أو أعدائه «وهذا صحيح»، لافتاً إلى أن ذلك حق أيضاً لا بد أن ينصرف إلى كل الشخصيات العامة والنشطاء وهو حقهم فى الكرامة الإنسانية، وقال إنه «جرى على نحو بشع اغتيال الشخصية والتشهير بالمعارضين والتعرض لثورة يناير والتعريض بالدستور وصل لحد السب والشتم، وكل هذا الكلام لم نسمع غضباً من الرئيس ولا صدر عن الدولة ما يشير إلى أنها تستهجن هذا الأمر..» وإلى نص الحوار:

■ كيف استقبلتَ ما قاله الرئيس السيسى منذ أيام عن الإعلام، وهل كنت تتوقع أن يحتد بهذه الطريقة؟

- الرئيس السيسى منذ أيامه الأولى، معنىٌ بأكثر مما هو طبيعى ولازم بالإعلام، اجتمع أكثر من مرة مع الإعلاميين وأكثر من مرة مع الصحفيين، وفى المرتين وعد بأن تكون الاجتماعات شهرية، لكنها اختفت، وهناك فكرة مسيطرة على سلطة الحكم الآن، وهى إعلام التعبئة الكلاسيكى، بمعنى أن يكون هناك مشروع، لكن المشكلة أنه لا يوجد مشروع، باستثناء الحرب على الإرهاب، وتطلب من الإعلام التعبئة، ولا توجد معارك للنظام فى ملف العدالة الاجتماعية ومع ذلك تطلب تعبئة، والفكرة بذاتها تجاوزتها حقائق العصر، وهو عصر السماوات المفتوحة، وتبادل المعلومات، وفكرة تعبئة الإعلام تناقض العصر. {left_qoute_1}

■ وما تفسيرك لاحتداد الرئيس فى خطابه الأخير على الإعلام بهذا الشكل؟

- أستشعر أن لدى الرئيس ضيقاً من النقد، رغم أن غالبية الساحة من الإعلام تؤيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكنّ هناك ضيقاً من النقد، وهناك فرق بين النقد والتشهير، ومن حق الرئيس كمواطن أولاً حقه فى الكرامة، ويجب أن يجرى التعامل معه باحترام، خاصة أنه لا يستخدم لفظاً خارجاً مع أشد معارضيه أو أعدائه، وهذا صحيح، وهذا حق لا بد أن ينصرف إلى كل الشخصيات العامة والنشطاء وهو حقهم فى الكرامة الإنسانية، وجرى على نحو بشع اغتيال الشخصية والتشهير بالمعارضين والتعرض لثورة يناير والتعريض بالدستور إلى حدّ السب والشتم إلى درجة اتهام الذين وضعوه من لجنة الخمسين بأنهم خونة ومتواطئون، وكل هذا الكلام لم نسمع غضباً من الرئيس ولا صدر عن الدولة ما يشير إلى أنها تستهجن هذا الأمر، والأفدح من ذلك أنه جرى اختراق القانون فى أى أعراف من خلال تسريب مكالمات هاتفية، وهذا لا يحدث فى أى دولة فى العالم، ولم تتحرك جهات التحقيق ولم تتخذ أى إجراءات قانونية ولم نرَ إجراءً واحداً احتجاجياً أو اعتراضاً، وهذا أفضى إلى تسميم المجال العام، وهذه مسئولية سياسية يتحملها الرئيس السيسى شخصياً، من حقه أن يدافع عن كرامته، لكن أين كرامة باقى المواطنين مثلما حدث مع «فتاة المول»، فالذى غضب واحتج وفرض كلمته مواقع التواصل الاجتماعى، لا الدولة تدخلت ولا النائب العام تحرك، ولا أى جهة احتجت.

■ وما المخرج من تلك الأزمة؟

- المناخ كله مسمّم، نتيجة غياب القواعد وهو أساس الأزمة، والمخرج هو سرعة إقرار القانون رقم واحد للصحافة والإعلام الذى توافق عليه كل من يعمل فى العمل الإعلامى فى مصر من المجلس الأعلى للصحافة لنقابة الصحفيين وغرفة صناعة الإعلام وغيرها، لكن أخشى الآن من أن مجلساً نيابياً مشوّهاً سوف يعمل على تشويه القانون وبالتالى سوف ندخل فى أزمة دستورية وفى أزمة حريات وأزمة نظام حكم.

■ هل تقصد أن سلطة النظام الحالى تريد استنساخ إعلام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؟

- أنت تقيس أوضاعاً على أوضاع مختلفة تماماً، وتقيس عصراً على عصر مختلف تماماً، ففى عصر جمال عبدالناصر، كنا أمام ثورة حقيقية، وعملية تغيير واسعة فى أفريقيا، ودخول حروب والعلاقات الدولية مع حركة عدم الانحياز، وكذلك حركات التحرير العربية وأبرزها الجزائر، ووجود صراع اجتماعى ضارٍ مع النظام الاجتماعى القديم ومحاولة تفكيكه وبناء علاقات اجتماعية جديدة، ولكن هذه الأمور كلها تختلف الآن. استدعاء تجربة عبدالناصر فى الإعلام مستحيلة، فى تجربة الستينات كان الإعلام يتسق مع طبيعة الدولة ونظام الحزب الواحد الذى كان يحكمها، هذا الكلام فى ظل التعددية الحزبية والديمقراطية صعب، فأنت تتحدث عن أن التعددية أساس نظام الحكم، فالقياس كله خاطئ ولا معنى له، وما نعانى منه من إعلام متدنٍ ومُزرٍ لا يمكن أن يُقاس على إعلام فترة عبدالناصر، حيث تأسس التليفزيون المصرى وولد عملاقاً وأنتج تقاليد إعلامية أشعت على العالم العربى، وكل رواد الإعلام نشأوا فى هذه الحقبة، لأنه على الأقل كانت هناك قواعد، الآن أنت أمام فوضى إعلامية وسفالات وتجاوزات وهتك أعراض لا يمكن القياس عليها، نحن فى رحلة انفلات بشكل كامل، لكننا نريد تجربة تعددية وحريات صحفية إعلامية كاملة. {left_qoute_2}

■ بعض المحللين قالوا إن حديث السيسى فيه تخوف من احتمال فشله وما يمكن أن يكون الإعلام مؤثراً فى هذا.

- الرئيس طلب عامين حتى يمكن الحساب، وأظن أنه بعد مرور عامين من انتخابه سوف يكون هناك حساب، وأدعو لتقديم كشف حساب للناس، والرئيس نجح فى أشياء لا يمكن إنكارها، خاصة فى الحرب على الإرهاب وجرى تقويضه إلى حد كبير، وأوجه الخلل تمثلت فى تأميم المجال العام، وتراجع الحريات الصحفية وتغول سلطات الأمن على الجماعات وأوجه الحياة العامة بما قد أعاد أشباح الدولة الأمنية، وهى سلبيات خطيرة لم ينجح فى إنهاء أزمة الدولة مع شبابها، وهناك تباطؤ غير مفهوم وغير مبرر فى الإفراج عن الشباب المحبوسين بحسب قانون التظاهر، أو كما قال إنه يوجد مظاليم فى السجون لم يفرج عنهم، آخرهم إسراء الطويل، وهناك تنكيل وتجاوز كل رحمة وحس إنسانى، فى مجال الأمن هناك أزمة كبيرة ومجال العدالة الاجتماعية، ولم يتم تقديم أى حل لأكبر أزمتين فى مصر، وهما أزمتا الصحة والتعليم، وفى حالة انهيار حقيقى لهما، والإخفاقات تسحب وتقلل من أى إنجازات جرت.

■ ما المشكلة الرئيسية حالياً، حسب رأيك، فى نظام الحكم الحالى؟

- مشكلة الرئيس السيسى الرئيسية أنه يحكم بلا رؤية، بمعنى أن أفكاره ورجاله ونظامه لم يعلن عنهم، وكل الذين ينتدبون أنفسهم للحديث باسمه ينتمون للماضى أو هى وجوه كريهة ووجودها يسحب من رصيد الرئيس، كل الانتهاكات والتجاوزات فى الإعلام جاءت من أشخاص يحسبون أنفسهم على الرئاسة دون أن تتصدى هذه المؤسسة لهذا الأمر.. الإعلام عنده كوارث وإذا كان «السيسى» يقصد تحديداً أن بعض الذين يهاجمونه لهم ملفات تتعلق بقضايا فساد أو ذمة مالية، فنحن نطالب بفتح كل القضايا لكل الشخصيات، سواء سياسية أو إعلامية أو عامة أو من رجال أعمال، أين هى؟ لا يصح التلويح باتهامات مرسلة. {left_qoute_3}

■ ما الأشياء أو الوقائع التى يمكن أن يشتكى منها الرئيس للشعب من الإعلام؟

- هذا التعبير غير منضبط وقد يُساء على غير مقصده، أنا لا أعتقد أنه يقصد التحريض على استخدام العنف ضد الإعلاميين لأنه فى الذاكرة العامة ما جرى أمام مدينة الإنتاج الإعلامى من حصار وتعليق المشانق الرمزية للإعلاميين فى تجمعات الإخوان المسلمين فى الميادين، وهذا التعبير الملتبس قد تفهمه بعض الجماعات بأنه تحريض للاعتداء على الإعلاميين، وهو لم يقصد ذلك، لكنه تعبير خطير ولا بد من إيضاح له، ويجب توضيح أن القانون هو الذى يحكم ولا شىء آخر غير القانون.

■ ما السبب الرئيسى لوصول حالة الإعلام لشكل مُزرٍ كما وصفتها؟

- السبب الرئيسى هو غياب القانون، والحل الوحيد هو سرعة إصدار القانون المنظم الذى أصدرته مكونات العمل الإعلامى فى مصر، أعتقد أن خطاب الرئيس السيسى جاء بعدما وصلته رسائل احتجاج صامتة فى صناديق الاقتراع، خاصة من القطاعات الأكثر فقراً، ومن الطبقة الوسطى التى تئن من وطأة الأسعار، وعدم همة وحركة الدولة لخفض الأسعار، وذلك فى غضون شهر من العزوف الكبير عن صناديق الاقتراع، وأى شخص يمشى فى الشارع سيلاحظ غضباً مكتوماً يكاد ينفجر، وهذا تفسير لغضب الرئيس أو صدمته، لأنه تمتع بشعبية كبيرة، فإذا بالتقديرات أمامه تقول إنها تراجعت بفداحة، أظن أنه مصدوم من التقارير التى وصلته ومن التغطيات الصحفية بأن الشعبية الكبيرة التى كان يتمتع بها تراجعت بفداحة وبالتالى البلد محتاج لحوار حقيقى، وإلى قواعد واحترام الدستور، وإذا لم يحترم الدستور فى هذا البلد، فلن يقوم حجر على آخر.

■ هل من الأفضل أن تطهر الجماعة الإعلامية نفسها؟

- لن يحدث، لوجود رأسمال سياسى وجماعات مصالح، وتدخلات أمنية، وما يحكم الأمر فى النهاية القانون، إذا أردنا مناخاً إيجابياً، فليصدر بأسرع وقت قانون الصحافة والإعلام الموحّد.


مواضيع متعلقة