المرتبات وأزمة قانون الخدمة المدنية

الأجور هى القضية الرئيسية

ترى الحكومة أن (الأجور) تشكل «أزمة متفاقمة» ولذلك قررت السيطرة عليها عن طريق تثبيت المكافآت والبدلات لجميع العاملين بالدولة بلا استثناء، كإحدى وسائل تحقيق الاستقرار المالى وتوجيه المزيد من الموارد نحو الإنفاق على البرامج التنموية والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى تطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد، واعتبرت الحكومة أن أحد أغراضه هو حل مسألة التشوهات فى هيكل الأجور، وهذا ما عبر عنه البيان المالى للموازنة العامة للدولة 2015/2016.

وبعيداً عن «المناضلين» من غير العاملين بالدولة.. وشعاراتهم ودعواتهم المليونية..!!، فإن النقابيين وممثلى العاملين الحقيقيين الذين مارسوا حقهم فى الاعتراض على هذا القانون فى داخل المصالح والهيئات التى يعملون بها، وعبروا عن القضية الرئيسية فى الأزمة وهى (الأجور) التى تسعى الحكومة للسيطرة عليها على حساب (العاملين بالحكومة والإدارة المحلية وهيئات الخدمات)، دون أن تمارس نفس تلك السيطرة على دخول باقى قطاعات الدولة التى تمولها الموازنة العامة أيضاً مثل القضاء والكادرات الخاصة، والهيئات الاقتصادية، وكلها تتمتع أصلاً بالاستثناءات برواتب وبدلات ومزايا نقدية وعينية تفوق أربعة إلى خمسة أضعاف دخول هؤلاء العاملين الذين ينطبق عليهم قانون (الخدمة المدنية) الجديد، فإذا كانت مشكلة الموازنة العامة هى (تفاقم أزمة الأجور) فهل من العدالة (السيطرة) عليها فقط فى أجور وبدلات العاملين بالحكومة والمحليات؟ نعم هذا هو نهج الحكومة طالما هى تعتمد (الاستثناءات) والحلول الجزئية، وتقررها العقلية البيروقراطية المفتقدة للرؤية الشاملة لعدالة توزيع الدخول فما هو الفارق بين عمل مأمور الضرائب الذى يحدد الأرباح الخاضعة للضرائب، أو الخسائر التى يتم اعتمادها للممولين مع عمل وكيل النيابة الذى يقرر توجيه الاتهام أو حفظ الدعوى؟ ألا يعمل كل منهما فى تطبيق قواعد قانونية؟ وبذات الجهد وبافتراض الأمانة والمسئولية الوظيفية؟ وهل تزيد الأعباء المهنية لمفتش الجهاز المركزى للمحاسبات عن مثيلتها فى عمل المراقب المالى فى وزارة المالية؟ والأمثلة عديدة، وكلها تفصح عن غياب العدالة فى أنظمة الأجور المتعددة التى تحكم أوضاع العاملين فى القطاعات العامة سواء فى الحكومة، أو الكادرات الخاصة، أو الهيئات الاقتصادية وحتى الشركات العامة.

الرؤية الشاملة هى الحل لأزمة الأجور التى تتعلل بها الحكومة، فالحقيقة أن هناك غياباً للعدالة الأفقية فى مستويات الدخول، والسبب فى ذلك أن الدولة تعتمد تسعير (القطاعات) و(الكادرات الخاصة).. إلخ، ولا تعتمد الأجر الحقيقى العادل لنوعية وأعباء الوظيفة أياً كان نطاق شغلها ومزاولتها فى جهة سيادية أو غير سيادية، فى قطاع اقتصادى أو خدمى.. إلخ، هذا غير عدم العدالة المزمن فى أزمات (الحد الأقصى) و(الحد الأدنى) الذى لم تتمكن الحكومة من تطبيقه على كل قطاعات الدولة، فإذا اعتمدت الحكومة هذه الرؤية الشاملة، فسوف تحقق التمويل من داخل الموازنة ودون التعلل (بالعجز) أو تفاقم أزمة الأجور.

وأخيراً فعلى الحكومة أن تفكر قليلاً فى اعتبار أن الأجور (أزمة متفاقمة)، لأن دخول العاملين نظير خدماتهم للدولة والمجتمع، هى جزء من توزيع الموارد التى يحققونها بعملهم ولذلك فهى حق لهم ليست عبئاً تشكو منه الحكومة.