«داعش» والصعيد

التطورات التى تشهدها عملية حق الشهيد، وتحولها إلى الاعتماد على أسلوب الانتقال والتحرك من مكان إلى مكان، يدلل على أن ثمة خلايا عنقودية بدأت تتشكل لتنظيم «داعش» فى عدة مناطق، فبعد أن حققت العملية الكثير من أهدافها فى سيناء، وبدأت العمليات الإرهابية فى الانحسار هناك، وأخذت التنظيمات التكفيرية هناك تجنح إلى فكرة الاغتيالات لأفراد بعينهم، فى محاولة للرد على الضربات الأمنية، بدأت خلايا عنقودية جديدة فى التحرك، داهمتها قوات مكافحة الإرهاب فى منطقة الواحات، وفى صحراء أسيوط. وقد كانت المعركة التى شهدتها «أسيوط» هى الأخطر، سواء على مستوى عدد العناصر الداعشية التى قتلت فيها، أو عدد العناصر التى تم القبض عليها، ومع التقدير البالغ للجهود التى تمت فى هذا السياق، إلا أن أمر ظهور خلايا داعشية فى صعيد مصر أمر يجب ألا نمر عليه سريعاً.

الصعيد كما تعلم يعانى أهله الطيبون من العديد من المشاكل المعيشية، يكفى فى هذا السياق أن نشير إلى أنه بينما كانت المواجهة مع «الدواعش» على أشدها فى صحراء أسيوط، كانت وزارة الكهرباء تنذر أهل عدد من محافظات الصعيد بقطع التيار الكهربائى لمدة 22 ساعة يومياً على 3 فترات، وقد كان من المقرر أن يتم تطبيق هذا الأمر خلال أيام عيد الأضحى المبارك، لكن تم تأجيله إلى ما بعد العيد، ثم أعلن وزير الكهرباء أن قطع النور سيكون ساعتين فقط فى اليوم. وفى حين كانت المواجهة تتواصل، تدفقت الأنباء التى تحكى معاناة العديد من قرى محافظة «قنا» من انقطاع المياه، والتقطت عدسات المصورين صور أطفال الصعيد وهم يحملون «الجراكن» فى محاولة مستميتة للحصول على قطرات مياه يتعيشون بها، ولا أتصور أنك بحاجة لأحدثك عن أزمات البنزين، واختفاء الخدمات، وغير ذلك من مشكلات يعانى منها أهل الصعيد، ولا تتعامل معها الدول بالجدية المطلوبة.

ولا أستطيع موضوعياً أن أقلل من حالة الإحباط التى يمكن أن يشعر بها المواطن، وهو يرى الدولة أكثر ما تكون نشاطاً وحيوية فى مواجهة الإرهاب، فى الوقت الذى تتعامل فيه بقدر واضح من الكسل مع المشكلات التى يعانى منها المواطن. نعم المواطن يضار من الإرهاب بصورة مباشرة وغير مباشرة، لكننى أخشى من تأثير أصوات تقدم له جهود الدولة فى هذا السياق على أنه عمل من أعمال الدفاع عن السلطة، فى حين يوجد تراخٍ فى التعامل مع التهديدات المباشرة التى تصب فى دائرة معيشته ومعايشه. وتآزر المواطن مع ما تقوم به الدولة من جهود عامل مهم من عوامل نجاحها، خصوصاً إذا كنا بصدد مواجهة تنظيم مثل «داعش»، يهوى «التعشيش» فى المناطق الخربة، ويتخذ من قسوة السلطة على قطاعات معينة من البشر تكئة لإقناع المظاليم بأفكاره، وحشدهم فى صفوف الإرهاب، والقسوة المعيشية أمر لا يجب الاستهانة به. الدولة مطالبة بتوسيع أفقها وهى تتعامل مع الإرهاب، وتفهم أن جزءاً من حربها عليه، يرتبط بالجدية فى التعامل مع المشكلات التى يعانى منها المواطن.