العالم يتحصن بـ«الأصفر».. 1045 طن ذهب اشترتها البنوك المركزية لحماية احتياطياتها

العالم يتحصن بـ«الأصفر».. 1045 طن ذهب اشترتها البنوك المركزية لحماية احتياطياتها
خلال الأشهر الماضية، شهدت الأسواق المالية العالمية حالة من التوتر والقلق، خصوصاً بعد التصعيد المفاجئ فى السياسات التجارية الأمريكية، وجاءت قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الصين، وعدد من الدول الأخرى، لتزيد من حدة المخاوف لدى المستثمرين.
«بلومبيرج»: أمريكا تتصدر قائمة الدول المالكة لأكبر احتياطى تليها ألمانيا والصين.. وخبراء يحذرون من تقلباته الحادة وينصحون المستثمرين بتخصيص من ٥٪ إلى 10٪ من محافظهم الاستثمارية له
وفى أعقاب اضطرابات فى الأسواق المالية شملت عمليات بيع حادة فى سوق سندات الخزانة الأمريكية البالغة قيمتها 29 تريليون دولار، وتعد سوق السندات الأمريكية، واحدة من أهم ركائز التمويل الحكومى والاقتصاد العالمى، حيث إن السندات هى أدوات مالية تصدرها الحكومات أو الشركات لاقتراض الأموال من المستثمرين، مقابل فائدة يتم دفعها بشكل دورى، وفى ظل الحرب التجارية الجارية شهد الأسبوع الأخير عمليات بيع مكثفة لسندات الخزانة، ما أدى إلى ارتفاع حاد فى عوائد السندات، أى الفائدة التى يجب على الحكومة دفعها للمستثمرين مقابل الاحتفاظ بهذه السندات، وكان ذلك مؤشراً على تراجع ثقة المستثمرين فى الاستقرار المالى والسياسى، وفقاً لوكالة «رويترز».
وفى وقت كانت فيه الأسواق تحاول استيعاب هذه التطورات، جاء رد الفعل من البنوك المركزية حول العالم واضحاً، وهو التوجه نحو الذهب، فعلى مر التاريخ يعتبر الذهب ملاذاً آمناً وقت الأزمات، حيث إنه لا يتأثر بتقلبات أسعار العملات وعدم الاستقرار الاقتصادى، وفى ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة اليوم، ينظر إلى الذهب على أنه استثمار موثوق لا يعتمد على أى عملة أو حكومة، يلجأ المستثمرون والبنوك إلى الذهب كونه أصلاً لا يعتمد على أى حكومة أو سياسة نقدية، ولا يتأثر بتقلبات أسعار الفائدة أو التضخم بشكل مباشر، ويظل الذهب أحد الأصول القليلة التى تتمتع بثقة تاريخية طويلة الأمد.
مساعٍ دولية لكسر هيمنة الدولار بالمعادن الثمينة ..و«ماير»: توقعات بصعوده بسبب الرسوم الجمركية
وارتفع سعر الذهب بأكثر من 1% الأسبوع الماضى، مع توافد المستثمرين على السبائك الذهبية كملاذ آمن، على الرغم من تعليق الرسوم الجمركية على الدول الأخرى لمدة 90 يوماً، وقال إدوارد ماير، المحلل الاقتصادى لوكالة «رويترز»: «إذا دخلنا فترة نمو بطىء، وهى افتراضنا الأساسى، نعتقد أن أسعار الفائدة ستتجه فى النهاية نحو الانخفاض وستدفع الذهب نحو الارتفاع، نظراً لأن مخاوف التضخم ستظل قائمة طوال معظم العام بسبب تأثيرات الرسوم الجمركية»، وأضاف: «فى النهاية، نتوقع وصول الذهب إلى 3200 دولار بحلول نهاية الشهر، إن لم يكن قبل ذلك».
وفى عام 2024، اشترت البنوك المركزية أكثر من ١٠٤٥ طناً من الذهب، وهى من أعلى الكميات المسجلة منذ عقود، وذلك لحماية احتياطياتها خلال الأوقات المضطربة، وفقاً لموقع «بلومبيرج»، وتصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول المالكة لأكبر احتياطى من الذهب، تليها ألمانيا، ثم الصين التى واصلت تعزيز مخزونها الذهبى بشكل ملحوظ، وهذه التحركات تعكس تحولاً استراتيجياً عالمياً، حيث تسعى الدول إلى تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكى، وتعزيز استقرارها المالى الداخلى عبر أصول موثوقة كالمعادن الثمينة.
لم يكن الاتجاه نحو الذهب محصوراً على المستوى الحكومى فحسب، بل شمل الأسواق أيضاً، ففى أعقاب تصعيد ترامب للرسوم على الصين، ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، لتصل إلى ٣١٦٧ دولاراً فى ٣ أبريل الماضى، وهو أعلى سعر يسجل تاريخياً.
وهذا الصعود القوى جاء مدفوعاً بعدة عوامل متداخلة، من أبرزها، تصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم، واضطرابات سوق السندات وارتفاع تكاليف الاقتراض، وتحذيرات من تباطؤ اقتصادى أمريكى وزيادة معدلات التضخم.
وكل تلك العوامل تدفع الخبراء إلى التحذير من الاعتماد الكامل على الذهب كأداة استثمارية، بالرغم من أنه يمثل خياراً جيداً فى فترات عدم اليقين، وينصح الخبراء بأن المستثمرين يخصصون نسبة تتراوح بين ٥٪ و10٪ من محافظهم الاستثمارية للذهب، بهدف التحوط وليس بالضرورة لتحقيق أرباح مرتفعة، فالذهب، رغم ارتفاعه فى بعض الفترات، قد يشهد تقلبات حادة، وقد لا يكون الذهب أفضل خيار لتحقيق الربح السريع، لكنه بالتأكيد يمثل درعاً واقية فى وجه الأزمات، وهو ما يدفع العالم اليوم إلى العودة إليه بقوة.
ومن المتوقع أن تستمر أسعار الذهب فى الصعود خلال الفترة المقبلة، مدفوعةً بعدة عوامل، أبرزها، استمرار الحروب التجارية وتصعيدها، ومخاطر الركود فى الاقتصادات المتقدمة خاصة الولايات المتحدة، وتوتر الأوضاع الجيوسياسية فى مناطق متعددة، مثل روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط، واستمرار البنوك المركزية فى شراء الذهب لتعزيز احتياطاتها.
وفى ظل التوترات الجيوسياسية والاقتصادية المتزايدة، تشهد العديد من دول العالم توجّهاً ملحوظاً نحو تعزيز احتياطياتها من الذهب كوسيلة لحماية اقتصاداتها من الصدمات المحتملة، ففى إندونيسيا، تدفق المواطنون بأعداد كبيرة على شراء سبائك الذهب، فى محاولة لحماية مدخراتهم من تراجع قيمة العملة وتقلبات سوق الأسهم، خاصةً بعد الرسوم الجمركية التى فرضها «ترامب».
كما اتخذت روسيا خطوات استراتيجية لتعزيز احتياطاتها من الذهب، ليس فقط كتحوط ضد العقوبات الغربية، بل كأداة لدعم الاستقرار المالى الداخلى، وقد بلغ احتياطى الذهب الروسى مستويات قياسية، فبحلول عام 2025، ارتفعت حصة الذهب فى احتياطيات روسيا، وفقاً للبنك المركزى الروسى، إلى 35.4%، وهو أعلى مستوى لها فى السنوات الخمس والعشرين الماضية، كما بلغ احتياطى الذهب فى روسيا ما يقرب من 2336 طناً، وارتفعت قيمته بنسبة 72%، أى ما يعادل 96 مليار دولار. ووفقاً للبنك المركزى، بلغت قيمة الذهب النقدى فى الاحتياطيات 228.95 مليار دولار فى 1 أبريل. وقبل شهر، كانت القيمة 217.38 مليار دولار.