شيماء البرديني تكتب: اسم الأم.. شرف لا تستحقونه

شيماء البرديني تكتب: اسم الأم.. شرف لا تستحقونه

شيماء البرديني تكتب: اسم الأم.. شرف لا تستحقونه

طفح الكيل، ووصل الغضب مداه، لم يعد بالإمكان السكوت ولا الصمت إزاء كل هذه التجاوزات، فما الذى ينتظره هذا المجتمع من امرأة يُصفَق لها باليد اليمنى، وتُصفع على وجهها باليد اليسرى، يهينها القاصى والدانى حين يحولون كل صيغ السخرية إلى امرأة، ويهيل المجتمع التراب على إنجازاتها لمجرد أنها تحمل وتلد وترضع وتربى؟.. فلتعلم أيضاً أيها الرجل أنها تفعل كل هذا لكونه طبيعتها، وتفعل معه ما ليس فى طبيعتها، حين تقرر أن تتصف بالرجولة فى زمن غابت فيه الصفة عن بعض الرجال بالفعل.

لمَ كل هذا؟.. أقول لك، يؤذينى كل ما نراه على صفحات التواصل الاجتماعى، يقيدنى نوعى عن الرد الذى يحتمه كل موقف، ما هذا الجحيم المستعر خلف تعصب كروى، يصف المنهزم بعروس فى ليلة الزفاف؟، ودائماً ما يحيل الفريق الأبيض إلى صورة ذهنية مفادها أنه زى النساء والفتيات، لماذا نهين دون أن ندرى مَن صامت وصلّت وعاشت لتربى رجلاً صار أحد من يهينونها؟، ألا تدرى عزيزى وأنت تفعل هذا أنك تنال من كل امرأة وفتاة، أم أنك خُلقت زرعاً شيطانياً دون أم أو أخت أو سائر درجات النساء فى حياتك؟

فى حديث شريف أوصى النبى، صلى الله عليه وسلم، أمته وسائله بالأم، فقال له: أمك، لم يقل والدتك، لم يقل الست التى ربتك، لم يسمها سوى بالوصف الذى صار سبّة لدى أوساط كثيرة، بل صار مثار ضحك وتنمّر وسخرية حين ورد على لسان المستشار «أبو دم خفيف»، مجرد ذكر اسمه يعنى قضية ومحضراً سيلاحقنى بهما، فى حين أنه الأولى بالملاحقة، بعدما أسس ورسخ لقانون جديد اسمه «سأرميك بأمك»، صارت كل كوميكسات صفحات التواصل الاجتماعى تتعامل مع اللفظ بمعانٍ تحط من قدر الأم والمرأة وتحمل سباباً واضحاً، صارت للجماهير فى مدرجات كرة القدم لغة خاصة معظمها أمك، وصار للشباب حول المدارس، خاصة فى المرحلتين الإعدادية والثانوية، غمزات وهمزات حول الأم.

لم يكن مستغرباً أن يكمل سياسى أو محسوب على السياسيين العبث، أن يصل إلى حدود لم يصل إليها أحد، بأن يوجه اتهاماً لكل نساء مصر، معتقداً أنه يكشف عن المجتمع إحدى سوءاته، وقبل أن يلقى مصيره اللائق به، حذف منشوره، معتقداً أنه وأد دليل اتهامه، فى حين أنه إذا كان المنشور الذى يكتبه ويراجعه مرات قبل نشره فيه كل هذا السوء، فما بالكم وفكره ومنطقه ورؤيته الحقيقية التى يخفيها خلف حزب يتنازع على رئاسته ويدعى زوراً أنه الأحق برئاسة «مصر الفتاة»، وهنا تكمن سخرية القدر.

ثم إننا أمام رهاب اجتماعى، تجلس الأم أمام ابنها تكاد تبكى: «أنا باتشتم بسببك يا ابنى»، لماذا نستدعى الأم فى الخلاف؟ إذا كان التجاوز والسباب هو لغة الحوار، وسبيل أحدهم للنيل من الآخر، فليكن باسمه، بوصفه، بشخصه، وليس بأمه وأبيه.. لقد أصبحنا نتحرى الدقة ونتحسس عباراتنا، لا نستخدم لفظة «أمك» كونها متعددة سياقات الفهم، رغم أنها لا تحمل سوى معنى واحد ودرجة منحها المولى، عز وجل، تكريماً وتفضيلاً لم يمنحه سوى للصديقين والشهداء، لقد وضع الجنة كلها تحت قدميها، فإذا بالبعض يخالف عقيدته ويسير خلف هوس اللقطة.

إننى أرى أن الأولى من وضع اسم الأم فى بطاقة الرقم القومى هو حماية الأم فى كل خطاب وسياق، بأن يتم تغليظ عقوبة السب إذا كان بالأم، وأن يغلّظ أيضاً كل إجراء عقابى سواء فى إطار جريمة أو مخالفة طالما نال من قدر الأم ومكانتها، ليس دينياً فحسب، لكن مجتمعياً أيضاً، وهذا دور المجلس القومى للمرأة، إذ إننا نرى كيف يقدر الرئيس السيسى النساء، ويضع الأمهات حجر زاوية فى هذا التقدير، إن القبلة التى يطبعها على جبين كل أم فى مشهد أو احتفال، ليس لتجربتها الخاصة فحسب، بل لأنها أم، والمصريون جميعاً يقدسون دور الأم فى حياتهم، والمجتمع برمته ما هو إلا أم أحسنت التربية والتأسيس فقابلت التقدير، لكنها الآن تعانى، لقد أدت دورها وأفسدت عليها الحريات والتكنولوجيا ما أدته، فانكوت بنيرانهما، وصارت فى مرمى التجاوز وسلاحاً يقتل دون دماء.

أتخيل أن رجلاً ممن يستخدمون السب بالأم سبيلاً، ويُرد عليه بمثل ما قال، يعيش فخوراً بنفسه وهو لم يستطع حماية سيرة أمه، فهل يستحق أن تحمل بطاقته الشخصية اسمها؟.. أعتقده شرفاً لا يستحقه.


مواضيع متعلقة