نجل شقيق الطاهر مكي: تراثه في أيدٍ أمينة.. ونطالب وزير الثقافة بنشر أعماله الكاملة لتخليد ذكراه

نجل شقيق الطاهر مكي: تراثه في أيدٍ أمينة.. ونطالب وزير الثقافة بنشر أعماله الكاملة لتخليد ذكراه
د. محمود مكي: إصدار كتابه عن صلاح الدين الأيوبي قريبا.. ومقالات محققة في 3 مجلدات
يُعد الطاهر مكي من أبرز أعمدة الأدب المقارن فى مصر والعالم العربى ورائد الأدب الأندلسى، إذ ترك بصمة كبيرة فى الدراسات المختلفة، ورغم الجوائز التى نالها فإن هناك إهمالاً فى تقديره، فلا توجد مؤسسات تعليمية أو ثقافية تخلد ذكراه، فى ذكرى رحيله الثامنة (5 أبريل 2017) وميلاده الـ101 (7 أبريل 1924)، يتحدث الدكتور محمود محمد مكى، ابن شقيق الراحل، فى حوار خاص مع «الوطن»، كاشفاً جوانب من حياته، ومؤكداً ضرورة تكريمه بما يليق بمكانته.
■ كيف كانت علاقتك بعمك الدكتور الطاهر أحمد مكى؟ وما أبرز اللحظات التى لا تزال عالقة فى ذاكرتك عنه؟
- كانت علاقتى به، رحمه الله، من أروع العلاقات، فهو العم والمربى والمعلم، ومن أبرز المواقف التى لا أنساها، عندما كنت صغيراً وأقرأ كتاباً فى يدى، فسألنى: «ماذا تقرأ يا بنى؟» فأجبته بثقة: «تجديد الفكر الدينى» لمحمد إقبال، ترجمة عباس محمود العقاد، فصمت قليلاً ثم قال لى: «اقرأ غلاف الكتاب»، وعندما قرأت، أوضح لى أن عباس محمود الذى ترجم الكتاب ليس «العقاد» كما ظننت، بل مترجم قدير، ومنذ ذلك الحين تعلمت درساً عميقاً فى الدقة والإتقان.
■ كيف كان الدكتور الطاهر داخل العائلة؟ وما المواقف التى تعكس شخصيته الإنسانية؟
- كان جزءاً لا يتجزأ من العائلة، يرى أن تماسك الأسرة هو الأساس لبناء الحضارة والعصبية كما وصفها ابن خلدون، لكن بفهمه الذى يرتكز على التكافل الاجتماعى والتعليم المتبادل، كان يقدم النصائح بتواضع ودون إلزام، أذكر عندما عدت إلى المنزل يوماً ضجراً، أخبرته أننى كنت قد وقعت عقداً مع جهة حكومية لنشر مسرحية مترجمة، لكن المراجع أراد أن يشارك اسمه معى فى الترجمة، رغم ذلك، قررت إلغاء التعاقد، حين أخبرته، أثنى على قرارى وقال لى: «لا تتنازل عن حقك»، وبالفعل نُشرت المسرحية فى سلسلة «آفاق الترجمة» بهيئة قصور الثقافة.
■ إلى أى مدى كان يشجعك أو يوجهك نحو القراءة والبحث مثلما فعل مع طلابه؟ وكيف أثر فى مسارك الفكرى أو الشخصى؟
- الفضل الأكبر بعد الله ثم والدى رحمه الله يعود لهذا العم الفريد، الذى كان دائماً يوجهنى لقراءة الكتب الأساسية والمهمة، مثل «تعريف عام بدين الإسلام» للشيخ على الطنطاوى، وكتب كامل كيلانى، و«مختارات من شعر شوقى»، و«عيون الشعر العربى»، بالإضافة إلى مختارات من القصص العالمية، مثل أعمال مارى وتشارلز لامب، وغيرهم.
■ ماذا كان رأيه فى إدراك الأسرة لقيمة ما قدمه للثقافة العربية؟ وكيف كان يتحدث عن إرثه العلمى بين المقربين؟
- كان الجميع فى الأسرة وبلده يعرفون قيمة هذا الرجل ومكانته، وترشحه لمجلس الشعب عام 1987 كان بمثابة مظاهرة حب له، حيث كان فى طريقه للفوز على مرشح الحزب الوطنى، ومع ذلك كان يقلقه تعامل المجتمع مع تراث العلماء فى ظل تراجع المجتمع المصرى، خاصة مع بيع مكتبات العلماء القيمة فى غفلة من دار الكتب ووزارة الثقافة.
أما تراث الطاهر مكى المخطوط فهو فى أيدٍ أمينة، وسيصدر قريباً بعد تحقيقه ونشره، مثل كتابه «شمس الله تشرق على إسبانيا»، كما سيصدر قريباً كتابه عن «صلاح الدين فى الآداب الأوروبية»، بالإضافة إلى أعمال أخرى مثل «تحفة الأنفس» و«الوافى فى نظم القوافى»، إلى جانب رسائله ومذكراته وكتابات باللغة الإسبانية، فضلاً عن مقالاته التى ستصدر منقحة فى 3 مجلدات قريباً.
أطالب محافظ الأقصر بإنشاء قصر ثقافة في قريته يحمل اسمه وإطلاقه على مدرسته الابتدئية
■ ماذا تطلب لتخليد ذكرى الطاهر مكى وإكمال مشروعه الفكرى والعلمى؟
أتمنى من الله توفيقى فى إخراج تراث الطاهر مكى المخطوط ونشر أعماله فى طبعة كاملة، كما أوجه نداء إلى وزير الثقافة، وأمين المجلس الأعلى للثقافة، ورئيس هيئة الكتاب للاحتفال به بما يليق بمقامه، وإلى الدكتورة كرمة سامى لطبع أعماله المترجمة فى سلسلة «ذاكرة الترجمة».
وأطالب محافظ الأقصر بإنشاء قصر ثقافة فى قريته يحمل اسمه، مع مكتبة تحمل اسمه، وأرجو أن تحمل المدرسة الابتدائية التى درس فيها اسمه، كما أرجو من عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة تخصيص قاعة باسم الطاهر مكى، ومن رئيس جامعة قنا تخصيص قاعة تحمل اسمه فى الجامعة التى أسس أولى لبناتها.
■ ما القضايا التى شغلت فكره فى سنواته الأخيرة.. أكان يرى أن مشروعه الثقافى اكتمل أم بقيت له طموحات لم تتحقق؟
- فى سنواته الأخيرة كان يأسى لتراجع الاهتمام باللغة العربية فى بلد ينص دستوره على أنها لغة الدولة، وكان يشغله التوسع فى خصخصة التعليم الذى أصبح مقتصراً على من يستطيع الدفع، وكان ضد هذا التوجه، وفيما يتعلق بعلاقته بحسين كامل وزير التعليم، قال لى: «هو يقف ضد طوفان خصخصة التعليم».
كما كان يتمنى أن يخصص مجمع اللغة العربية لجنة تهتم بالعربية فى الدول غير العربية، تضم خبراء من تلك الدول والعالم العربى، وأتمنى أن يتبنى المجمع هذا الاقتراح وينسبه للطاهر مكى.
■ كيف كان يقيم الطاهر مكى حضور الأدب العربى فى الأدب المقارن مع الآداب العالمية.. وهل كان يرى تحيزاً ضده؟
- هو عميد الأدب المقارن فى الوطن العربى، وصاحب كتب مهمة مثل «الأدب المقارن: أصوله وتطوره ومناهجه»، و«الأدب الإسلامى المقارن»، و«فى الأدب المقارن: دراسات تطبيقية»، التى كانت أساسية فى تدريس الأدب المقارن، درس هذا التخصص فى جامعة الجزائر أثناء تعريبه التعليم الجامعى، حيث ترجم كتابه «ملحمة السيد» وأضاف دراسة مهمة.
كان يرى أن الأدب المقارن فى مصر لا يُدرَس كما ينبغى، مشيراً إلى ضرورة إتقان المتخصصين لغتين على الأقل، وكان الطاهر مكى يتقن خمس لغات حية، ما جعله من أبرز العلماء فى مجاله.
■ لم يسع الطاهر مكى للشهرة.. أكان ذلك خياراً شخصياً أم هناك أسباب أخرى حالت دون انتشار أفكاره كما يستحق؟
- كان مشروع الطاهر مكى ضخماً وعظيماً، ويرتكز على العلم الذى يجمع بين الحداثة والتراث، كان يركز على التعليم الأساسى والتخصصى، مع الحفاظ على طابع تنويرى تحديثى، مستنداً إلى التراث العربى الإسلامى فى اللغة والدين، كما كان يولى أهمية كبيرة للمستقبل، وتعزيز الاتصال بالعالم الخارجى دون الذوبان فيه، مع الاستفادة من العلم الحديث للإبداع وإضافة جديد للمعرفة.