بطريرك بلا رقم.. حياة الأنبا باخوميوس من مكاتب «المالية» إلى قيادة الكنيسة

بطريرك بلا رقم.. حياة الأنبا باخوميوس من مكاتب «المالية» إلى قيادة الكنيسة

بطريرك بلا رقم.. حياة الأنبا باخوميوس من مكاتب «المالية» إلى قيادة الكنيسة

رحل في هدوء كما عاش، تاركًا بصمة لا تُمحى في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إذ قادها في فترة من أصعب الفترات التي عاشتها، إنه الأنبا باخوميوس، شيخ مطارنتها، الملقب بـ«البطريرك بلا رقم»، والذي تنيح (رحل) صباح اليوم عن عمر ناهز90 عامًا، بعد رحلة خدمة تجاوزت 70 عامًا.

طفل عاشق للخدمة في الكنيسة

وُلد سمير خير سكر، (الاسم العلماني للأنبا باخوميوس) في 17 ديسمبر 1935 بمدينة شبين الكوم، وانتقل مع أسرته إلى طنطا، ثم استقر في الزقازيق، حيث أكمل تعليمه حتى التحق بكلية التجارة بجامعة عين شمس، ليكون ضمن أول دفعة تخرجت منها عام 1956، لكن قلبه كان معلقًا بالخدمة في الكنيسة منذ الصغر، فبدأ خدمته في مدارس الأحد وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، ورغم صغر سنه كان يتنقل بين دمنهور، الزقازيق، الجيزة، شبرا، ودمياط، ليخدم الأطفال والشباب.

من وزارة المالية إلى الرهبنة

بعد تخرجه، عمل موظفًا في وزارة المالية ثم انتقل إلى وزارة الصحة ببنها، لكنه لم يجد راحته في الحياة الوظيفية، فقرر التفرغ للكنيسة، ليصبح أول شخص تُتم إعارته رسميًا من الدولة للخدمة الكنسية، وفي أبريل 1961، سافر إلى الكويت ليكون أول شماس قبطي يخدم بها، في مهمة أوكلها إليه البابا كيرلس السادس، ثم عاد إلى مصر واتخذ قرار الرهبنة.

الأنبا باخوميوس

حياة الخدمة.. من مصر إلى السودان وإثيوبيا

اتجه إلى دير الأنبا مقار، حيث ترهب في 11 نوفمبر 1962، باسم الراهب أنطونيوس السرياني، ثم انطلق بعدها في رحلة خدمة امتدت إلى السودان وإثيوبيا، وترك بصمة واضحة في انتشار الكنيسة القبطية بالخارج.

حضور بارز للكنيسة

في 25 أغسطس 1971، تمت سيامته أسقفًا لإيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، ليكون أحد أوائل الأساقفة الذين رسمهم البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ 117 من بطاركة الكنيسة، لم تكن المهمة سهلة، لكنه عمل على تطوير الإيبارشية، فبدأ بـ19 كنيسة و17 كاهنًا، ونجح في توسيع الخدمة وإنشاء كاتدرائية العذراء والقديس أثناسيوس بدمنهور، إلى جانب العديد من الكنائس الأخرى.

كما كان له دور بارز في تعزيز الحضور القبطي عالميًا، فساهم في تأسيس الكنيسة القبطية في لندن، ومثّل الكنيسة في مؤتمرات دولية عدة.

بطريرك بلا رقم

في مارس 2012، وبعد رحيل البابا شنودة الثالث، وقع الاختيار على الأنبا باخوميوس ليكون (القائم مقام البطريرك)، تولى مسؤولية قيادة الكنيسة في مرحلة حساسة، خلال ثمانية أشهر، وأدار الكنيسة بحكمة وهدوء، حتى تم تنصيب البابا تواضروس الثاني في نوفمبر 2012، ورغم أنه لم يُلقب رسميًا بـ«البطريرك»، إلا أن الكنيسة كانت في عهدته خلال تلك الفترة، ما جعله جزءًا أساسيًا من تاريخها الحديث.

الأنبا باخوميوس

الكنيسة تودع الأنبا باخوميوس

في 30 مارس 2025، رحل الأنبا باخوميوس، لكنه ترك خلفه إرثًا كبير، فهو لم يكن مجرد مطران، بل كان أبًا، ومعلمًا، وقائدًا روحيًا. تتلمذ على يديه أجيال من الخدام، كثير منهم أصبحوا كهنة، ورهبانًا، وأساقفة، وكان من أبرزهم قداسة البابا تواضروس الثاني.

واليوم، تودّعه الكنيسة بحزن، لكنها تعلم أن تعاليمه ستبقى منارة لأجيال قادمة، تمامًا كما عاش حياته: هادئًا، حكيمًا، ممتلئًا بالمحبة والعطاء