«باب رزق» يروي حكايات النحاس.. تاريخ من الحرفة والإبداع في قلب القاهرة
«باب رزق» يروي حكايات النحاس.. تاريخ من الحرفة والإبداع في قلب القاهرة
في قلب القاهرة التاريخية، وتحديدا عند مدخل الصالحية، وعلى بعد خطوات من خان الخليلي، يقع متجر عريق يمتد عمره لأكثر من 200 عام، حيث توارثت عائلة مصرية فنون صناعة وتلميع النحاس عبر الأجيال، محافظين على إرثٍ ثقافي يمتزج بالحرفية والإبداع.
البداية: فن النقش اليدوي
في الماضي، كانت حرفة النقش على النحاس تعتمد على أدوات تقليدية مثل «المسالة»، وهي أداة صغيرة تُستخدم يدويا لنقش الزخارف بدقة، وقد اشتهرت العائلة بهذه المهنة؛ إذ كان الجد الأكبر من جهة الأب والأم يعملان في هذا المجال، وأوضح أحد أحفاده خلال حديثه مع الإعلامي يسري الفخراني ببرنامج «باب رزق»، على قناة dmc، أنه كان متخصصًا في تلميع النحاس، بينما كان جد الأب يعمل في صناعة «جهاز العروسة»، وهي الأدوات النحاسية التي كانت تُستخدم في تجهيز العرائس قديما.
في الزمن الماضي، كان النحاس عنصرا أساسيا في تجهيزات العروس المصرية؛ إذ كانت تضم قائمة المشتريات الطشوت، والأباريق، وأواني المطبخ النحاسية، وكان هناك تمييزا واضحا بين «المحلاوي»، الذي كان أفخم وأكثر تكلفة، و«البلدي»، الذي كان خيارا أبسط للفئات المتوسطة، وكانت هذه الأدوات تُرص بعناية على أرفف المتجر، لتختار منها العرائس ما يناسبهن.
تطور الصناعة عبر الأجيال
ومع مرور السنوات، لم يقتصر دور العائلة على صناعة وتلميع النحاس فحسب، بل توسع النشاط ليشمل جمع واقتناء التحف النحاسية القديمة، ما حوّل المتجر إلى معرض زاخر بالقطع النادرة التي تحكي فصولا من التاريخ المصري، ومن بين أبرز هذه المقتنيات، أباريق وأوانٍ مطعمة بالفضة، ومنقوشة بزخارف دقيقة تحمل الطابع العربي الأصيل.
ويضم المتجر بين جدرانه العديد من القطع الفريدة، من بينها إبريق نحاسي مزخرف بالفضة بتقنية «التكفيت»، وهي تقنية فنية قديمة تتطلب مهارة فائقة، وتُعد هذه القطع بمثابة شواهد على تاريخ طويل من الإبداع الحرفي، وكانت تُستخدم في الحياة اليومية قبل أن تصبح تحفا فنية نادرة.
ما بين الماضي والحاضر
ورغم تغير الزمن، لا تزال العائلة متمسكة بهذه الحرفة؛ إذ يجري المزج بين الأدوات الحديثة والتقنيات التقليدية للحفاظ على أصالة الصناعة، ولم يعد المتجر مجرد مكان للبيع، بل أصبح متحفا صغيرا يعكس تاريخ النحاس في مصر، ويروي قصصا منقوشة على أسطح الأواني والأباريق، شاهدة على مهارة وإبداع أجيال متعاقبة من الحرفيين.