صفر «مريم»

متعاطف أشد التعاطف مع «مريم» الطالبة التى حصلت على «صفر» فى امتحانات الثانوية العامة، فعجيب جداً ألا تحصل على أى درجة فى المواد التى امتحنت فيها، والأعجب من ذلك ما تشهد به نتائجها من أنها كانت متفوقة خلال السنوات الماضية، لكن المنطق والعقل يجعلنى أتقبل فكرة أن تلك هى درجتها التى حصلت عليها، لظروف معينة ربما كانت الابنة قد مرت بها أثناء الامتحانات، كما أننى لا أستطيع أن أكذّب تقارير الطب الشرعى التى أكدت تطابق خط الطالبة مع أوراق إجاباتها، لأننى ببساطة لا أجد داعياً لعدم تصديقها. وتقديرى أن الأمر لو تم قراءته فى سياقه العقلانى، وبعيداً عن التشنجات، ومحاولة منافقة الرأى العام، فإن جوانب كثيرة ستتضح، وسأقول لك كيف؟

يحتج أغلب المصدقين لوجود خطأ فى نتيجة «مريم»، بـ«الفساد» الذى يسيطر على أغلب مؤسسات الدولة، ويذهبون إلى أنه من الوارد جداً أن تكون عملية تبديل لأوراق الإجابة قد تمت، فذهبت أوراق «مريم» الشاطرة إلى هذا البليد أو تلك البليدة من أولاد الناس المسنودين. واحتجاج هؤلاء فى محله ولا أستطيع أن أجادلهم فيه، فالفساد يفرد أجنحة على «الخلايق والمدى» فى مصرنا المحروسة، بما فى ذلك بالطبع مؤسسة التربية والتعليم، الجهة المشرفة على امتحانات الثانوية العامة، لكن السؤال: هل الفساد يحتاج هذه اللفة الطويلة لينجز مثل هذه المهمة؟، بعبارة أخرى: ما لزوم أن يتم استبدال أوراق مريم ليتصدر اسمها أوراق طالب أو طالبة فاشلة تستولى على أوراق إجابتها المتميزة، فى الوقت الذى يمكن فيه إنجاز المهمة من طريق أقصر، بأن تكتب الأوراق من بابها، ليتزين بها اسم ابن أو بنت الناس التى يريدون لها النجاح والتفوق. إننى أصدق المحتجين، وهم يتناولون موضوع «مريم»، بمسألة الفساد، لكننى أظن أنهم يتفقون معى فى أن الفساد فى هذا البلد لا يعدم حيلة، ولا يحتاج إلى مثل هذا «الهرى»، الفساد فى «المحروسة» يعرف كيف يصل إلى أهدافه من أقصر الطرق!.

ساءنى أيضاً، وربما ساء غيرى، عملية استغلال الموقف من جانب البعض، حسن أقحموا المسألة الطائفية فى الأمر، وقد كانت الابنة «مريم»، وكذا أفراد أسرتها من الحصافة، حين اعتذروا عن عدم لقاء قداسة البابا، لأن مريم مواطنة مصرية، تتمتع بكل حقوق المواطنة، وليس من المنطق أو العقل أن يعالج الموضوع من زاوية طائفية، بعيدة أشد البعد عما يحيط به من تفاصيل. وقد وقع الكثير من الإسلاميين فى هذا الفخ، حين أهملوا تناول موضوع «مريم» على نوافذهم الإعلامية من نفس الزاوية الطائفية، وهو نوع من الجهل لست أدرى متى سيبرأ منه هؤلاء؟!. المهم فى هذا الأمر الالتفات إلى أنه يكفى جداً ما أضاعه المتاجرون بهذه القضية من وقت على «مريم»، وليتركوها لحالها، فهى قادرة على تصحيح أوضاعها، وإنجاز التفوق الذى تستحقه. لست أنكر عليها بالطبع حقها فى مواصلة الدفاع عن قضيتها التى تؤمن بها، طالما رغبت فى ذلك، لكن عليها أن تتعلم أيضاً التفكير البناء، وتفهم أن النجاح الكبير، يمكن أن يتأسس على فشل عارض، ذلك هو منطق الحياة.