«القارة العجوز» تعيد بناء «قوة ردع نووية» لمواجهة «مخاطر محتملة»

«القارة العجوز» تعيد بناء «قوة ردع نووية» لمواجهة «مخاطر محتملة»

«القارة العجوز» تعيد بناء «قوة ردع نووية» لمواجهة «مخاطر محتملة»

لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بدأ القلق يتسلل إلى عدد كبير من القادة السياسيين والعسكريين فى أوروبا؛ بسبب تزايد احتمالات تعرض «القارة العجوز» لتهديدات محتملة من جانب روسيا، فى حالة إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على الانسحاب من مهمة حماية أوروبا، فى أعقاب إعلان الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، أن بلاده لن يمكنها مواصلة التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسى «الناتو»، بالإضافة إلى تخلى الولايات المتحدة عن الدور الذى تلعبه منذ ما يقرب من ثمانية عقود كـ«ضامن أساسى» لأمن أوروبا.

وفى محاولة للتقليل من ذلك القلق المتزايد، دعا الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، قادة الدول الأوروبية إلى مناقشة إمكانية وكيفية استخدام الترسانة النووية الفرنسية كـ«رادع» ضد أى «عدوان روسى مستقبلى»، فى خطوة اعتبرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أنها قد تُثير جدلاً بين الحلفاء الأوروبيين بشأن حدود «قوة الردع النووية» الفرنسية.

وعبر وزير الخارجية الفرنسى الأسبق، هوبير فيدرين، عن اعتقاده بأن دعوة الرئيس «ماكرون» لا يمكنها أن تلبى الطموحات الأوروبية، قائلاً إنه «لم تطلب أى دولة أوروبية مثل هذا الأمر من قبل، وذلك لأنه لم تكن هناك أى رغبة لدى أحد للتشكيك فى الدعم الأمريكى، وتابع «فيدرين» بقوله: «النقاش الحالى يأخذنا إلى منطقة مجهولة، وسيكون من الصعب التوصل إلى حل حاسم بهذا الشأن».

وبحسب الصحيفة البريطانية فإن «مظلة الحماية» الأمريكية تشمل أكثر من 100 قنبلة نووية، تم نشرها فى عدد من الدول الأوروبية، تحت سيطرة «واشنطن»، وبموجب «اتفاق المشاركة النووية»، بين الولايات المتحدة وحلف «الناتو»، يتم نقل هذه القنابل باستخدام مقاتلات تابعة لدول مثل بلجيكا وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وتركيا.

ورغم عدم رغبة أى دولة أوروبية فى انسحاب الولايات المتحدة من دورها فى توفير مظلة الحماية النووية للقارة العجوز، فإن المخاوف المتزايدة دفعت دولاً مثل ألمانيا وبولندا إلى التفكير فى «البدائل المتاحة»، حيث عبر فريدريش ميرتس، المرشح لمنصب المستشار الألمانى، عن حالة القلق المتزايدة فى أوروبا، بدعوته إلى مناقشة ما إذا كان يمكن للمظلة النووية الفرنسية والبريطانية توفير الحماية لبلاده، فى حين أعلن رئيس الوزراء البولندى، دونالد توسك، أن بلاده تدرس جدياً تطوير قدراتها النووية.

وأمام التطورات المتسارعة التى تشهدها القارة الأوروبية، منذ دخول الرئيس الأمريكى «ترامب» البيت الأبيض مرة أخرى، فى ولايته الثانية، عرض الرئيس الفرنسى «ماكرون» فتح «نقاش استراتيجى» مع من وصفها بـ«الدول الأوروبية المهتمة»، لبحث إمكانية إقامة تعاون جديد، من أجل توسيع «قوة الردع النووية»، لمواجهة أى «مخاطر محتملة»، خاصةً أن فرنسا لطالما أكدت أن مصالحها الحيوية، التى تحدد قواعد استخدام ترسانتها من الأسلحة النووية، تتضمن «بعداً أوروبياً»، إلا أن «باريس» لم تقدم تعريفاً دقيقاً لهذا المصطلح، بدعوى الحفاظ على «الغموض الاستراتيجى»، الذى يعتبره كثير من العسكريين عنصراً أساسياً فى سياسة الردع النووى.

تهديدات «ترامب» بالتخلى عن حماية أمن أوروبا

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الخبراء العسكريين يعتبرون ترسانة فرنسا النووية، التى تضم نحو 300 رأس نووية، مقارنةً بنحو 5000 رأس تمتلكها الولايات المتحدة، «صغيرة جداً» لحماية القارة الأوروبية بالكامل، خاصةً أن روسيا لديها نحو 5580 رأساً نووية، نشرت عدداً منها فى روسيا البيضاء مؤخراً، كما أوضح التقرير أن فرنسا تفتقر أيضاً للأسلحة النووية التكتيكية قصيرة المدى، مما يقلل من خياراتها للتصعيد التدريجى، مقارنةً بالولايات المتحدة وروسيا، ووفقاً للعقيدة النووية الفرنسية، فإنها قد تلجأ إلى توجيه «ضربة تحذيرية»، قبل استهداف مراكز رئيسية، حال تعرضها لـ«تهديد خطير».

وبينما أشارت الصحيفة إلى أن «التعاون الفرنسى - البريطانى قد يردع موسكو جزئياً»، إلا أنها نقلت عن مسئول غربى بارز، لم تكشف عن هويته، قوله إن «ما يؤثر حقاً فى قرارات روسيا، هو حجم الردع الأمريكى»، وأضاف أنه «إذا أرادت أوروبا تطوير قدرة ردع مماثلة، فإن ذلك يستلزم إنفاقاً ضخماً لمدة عقد من الزمن»، كما يمكن لفرنسا اتخاذ خطوات «أكثر إيجابية»، منها تحديد عقيدتها النووية بوضوح، فيما يتعلق بالدفاع عن حلفائها الأوروبيين.

وفى هذا السياق، قال كاميل جراند، المسئول السابق فى حلف «الناتو»، إنه «إذا كان الرد الفرنسى على تساؤلات الحلفاء، هو مجرد طلب الثقة فى قرار الرئيس الفرنسى، فلن يكون ذلك مطمئناً بدرجة كافية»، وأشار فى هذا الصدد إلى إمكانية إصدار إعلان مشترك مع الدول الحليفة، على غرار «إعلان تشيكرز» عام 1995، بين فرنسا والمملكة المتحدة، الذى أكد على تداخل المصالح الحيوية لكلا البلدين، كما يمكن تعزيز التدريبات المشتركة لإظهار مدى ترابط المصالح بين الحلفاء الأوروبيين.

وبينما أشارت الصحيفة إلى أنه فى عام 2022، شاركت طائرة تزود بالوقود إيطالية، لأول مرة، فى تمرين نووى فرنسى، وفى مارس 2025، استضافت فرنسا سفراء الناتو فى قاعدة «إيستر» الجوية، لعرض قدراتها النووية، فقد اختتمت تقريرها بالقول إن أى تحول جذرى فى استراتيجية الردع النووى الفرنسية لن يكون مبرراً إلا إذا انسحبت الولايات المتحدة فعلياً من حماية أوروبا، ونقلت عن «جراند» تحذيره من أن «أى محاولة لاستنساخ المظلة النووية الأمريكية تشكل خطأً كبيراً»، وشدد على ضرورة أن تعمل القارة العجوز على تطوير أساليب ردع مختلفة، تتناسب مع احتياجاتها الأمنية.


مواضيع متعلقة