بعد انتهاء المواجهات.. توقيع «الإعلان الدستوري» يُفجر خلافات جديدة في سوريا

بعد انتهاء المواجهات.. توقيع «الإعلان الدستوري» يُفجر خلافات جديدة في سوريا
شهدت سوريا خلال الأيام الماضية تسارعاً كبيراً فى الأحداث، فبعد أيام قليلة من انتهاء التوترات وأعمال العنف فى الساحل السورى والاشتباكات بين قوات الأمن والمجموعات المسلحة التى يُعتقد أنها من بقايا النظام السابق، ما أدى إلى سقوط ضحايا، وما تلا ذلك من توقيع الإدارة السورية الجديدة اتفاقاً مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدى، يقضى بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية فى إطار الدولة السورية، حدث خلاف جديد بعد توقيع الرئيس السورى أحمد الشرع، الخميس الماضى، على الإعلان الدستورى، الذى قالت لجنة صياغة الإعلان الدستورى إنه يستمد مشروعيته من الرغبة فى بناء سوريا الجديدة، وهو ما رفضه مجلس سوريا الديمقراطية.
«الشرع»: نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب
وقال «الشرع» بعد تسلمه مسودة الإعلان الدستورى: «نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السورى على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخاً جديداً لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة».
وقالت لجنة صياغة الإعلان، إنها عملت فى فضاء حرية دون تقييد، وتم التأكيد على التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب واحترام الخصوصيات الثقافية، مشيرة إلى «أننا حرصنا على باب خاص بالحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعى والحرية».
وأوضحت أن «الإعلان نص على حقوق الرأى والتعبير والإعلام والنشر والصحافة وعلى ضمان حق الملكية وحق المرأة فى المشاركة فى العمل والعلم، وعلى الفصل التام بين السلطات».
وذكرت أنه تم الإبقاء «على مقتضى أن الفقه الإسلامى هو المصدر الأساسى للتشريع، وأن دين رئيس الجمهورية الإسلام وأن الدولة تحترم جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام»، مؤكدة أن «الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية».
وأفادت بأنه بموجب الإعلان «لمجلس الشعب الحق فى استدعاء الوزراء واستجوابهم، كما أنه ينص على أهمية القضاة وأحكامهم واستقلاليتهم. وترك الإعلان أمر عزل الرئيس أو فصله أو تقليص سلطاته لمجلس الشعب».
وأضافت: «عملنا على حل المحكمة الدستورية القائمة، وضبط إعلان حالة الطوارئ بموافقة مجلس الأمن القومى ورهن تمديدها بموافقة مجلس الشعب»، معلنةً أنه «تم تحديد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات».
وفى المقابل، أكد مجلس سوريا الديمقراطية، المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، أن الإعلان الدستورى الجديد «غير شرعى»، ويعيد إنتاج نظام الحكم المركزى الذى كان سائداً، رغم أن الإدارة الجديدة اعترفت بالمجتمع الكردى كجزء أصيل من الدولة السورية.
وحذر قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدى، من أن إبراز الشريعة الإسلامية كمرجعية للحكم سيؤدى إلى مزيد من الفوضى والانقسام. ويبدو أن «قسد» يرى فى هذا الدستور خطوة نحو الإقصاء بدلاً من التشاركية التى تحتاجها سوريا فى مرحلة إعادة البناء السياسى والمجتمعى.
وتعليقاً على الأوضاع فى سوريا، قال الدكتور عمرو حسين، خبير العلاقات الخارجية، إن المجتمع السورى يتميز بتنوع ثقافى وطائفى كان يجب على السلطات السورية إدراكه منذ البداية، موضحاً أن سوريا ليست مجتمعاً مكوناً من فصيل واحد، بل هى موطن للعديد من الطوائف والشرائح الاجتماعية. وأضاف أن تأخر الحوار الوطنى وغياب جهود لمّ شمل السوريين كان من الأسباب الرئيسية التى أدت إلى اشتعال الاشتباكات فى البلاد، وأن العامل الثانى فى الأوضاع الحالية الخطيرة هو غياب الرؤية الواضحة أو خارطة طريق تشمل جميع فئات الشعب السورى.
«مظلوم»: «إعلان غير شرعى»
وشدد «حسين» على أن الشرعية التى مُنحت للرئيس السورى الحالى، أحمد الشرع، كانت شرعية محصورة فى فصيل واحد، دون أن تكون هناك صيغة دستورية تؤكد هذه الشرعية، وهو ما قد يخلق مؤامرات ويؤدى إلى عواقب وخيمة إذا لم تتخذ السلطات السورية إجراءات فعّالة لإعادة لمّ شمل الشعب السورى. ودعا «حسين» إلى ضرورة ممارسة ضغط دولى على النظام السورى لضمان حقوق الأقليات والفئات المختلفة فى البلاد، مثل الدروز، والعلويين، والأكراد، مع ضرورة إدانة الجرائم التى حدثت فى سوريا، وتقديم دعم للعملية السياسية بمشاركة جميع الأطراف، ووضع جدول زمنى محدد للعملية السياسية فى سوريا، مشيراً إلى أن تشكيل مجلس تشريعى معين من قِبل الرئيس الشرع لن يكون ممثلاً لكل الطوائف السورية للتأكيد على أهمية وضع دستور جديد يضمن مشاركة الجميع وحماية حقوق الأقليات فى المجالس التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى تحديد موعد للانتخابات وحل الميليشيات فى البلاد.
«حسين»: عدم التوافق أدى لاشتعال الاشتباكات فى البلاد
وأشار «حسين» إلى ضرورة وجود إدارة أمنية قوية يمكنها الحفاظ على الأمن فى كافة المناطق السورية، مع التأكيد على أن الجيش السورى يجب أن يكون جيشاً غير طائفى، داعياً إلى دعم المجتمع الدولى لسوريا من أجل منع التوغلات العسكرية الإسرائيلية فى أراضيها، وضمان خروج القوات الإسرائيلية حتى تتمكن سوريا من التنفس مجدداً، كما شدد على أن الوضع الحالى يتطلب حكمة من السلطات السورية بدلاً من القوة، لضمان الاستقرار وحماية الأمن الوطنى.
«عثمان»: توترات سوريا ليست مفاجئة
وقال د. محمد عثمان، الباحث فى العلاقات الدولية، إن التوترات التى شهدتها عدة مناطق فى سوريا ليست مفاجئة، بل كانت متوقعة نتيجة لكيفية إدارة الفترة الانتقالية فى البلاد، موضحاً أن النظام السورى كان يعامل الطائفة العلوية، التى تمثل نحو 13% من سكان البلاد، باعتبارها جزءاً من النظام السابق، مما أدى إلى إقصائهم من العديد من المفاوضات الوطنية.
وأوضح «عثمان» أن استمرار إقصاء بعض المكونات السورية من الحوار الوطنى، مثل الأكراد والطائفة العلوية، يعمق الانقسامات السياسية والعرقية فى البلاد، كما أن استبعاد بعض الكيانات مثل «قسد»، رغم كونها تمثل قوى سياسية رئيسية فى سوريا، قد أسهم بشكل كبير فى تصعيد التوترات، كما نوه بأن تسريح الجيش السورى السابق وعودة بعض الضباط المسرحين إلى حمل السلاح كان له تأثير كبير فى تصعيد الأحداث، حيث ينتمى هؤلاء الضباط غالباً إلى الطائفة العلوية، ويتبنون مواقف سياسية وطائفية مرتبطة بتراكمات تاريخية. وحذر «عثمان» من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدى إلى عواقب وخيمة على وحدة سوريا كدولة وطنية، مؤكداً أن إدارة البلاد بحاجة إلى إجراء مراجعة شاملة لمواقفها تجاه المكونات المختلفة فى المجتمع السورى، بما فى ذلك العلويون والدروز والأكراد، بالإضافة إلى القوى السياسية الأخرى.
ويبدو أن الإعلان الدستورى الجديد قد فتح فصلاً جديداً من الجدل فى سوريا، حيث ينقسم الموقف بين من يرى فيه فرصة للاستقرار وبين من يعتبره إعادة إنتاج لنظام مركزى لا يلبى تطلعات كافة المكونات السورية.
وبينما تتجه الأنظار إلى ردود فعل المجتمع الدولى والقوى الإقليمية، يبقى التحدى الأكبر هو قدرة هذا الدستور على تحقيق التوازن المطلوب بين السلطة المركزية والتعددية السياسية والاجتماعية فى البلاد.
اتفاق قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدى والشرع