رفعت رشاد يكتب: ازدحام القاهرة بالسيارات.. رفاهية أم تغير في السلوك؟

رفعت رشاد يكتب: ازدحام القاهرة بالسيارات.. رفاهية أم تغير في السلوك؟
إذا كنت من سكان القاهرة القدامى، أو شاهدت صورًا لها في فترة ما قبل سبعينات القرن الماضي، فربما يصيبك الذهول من الفارق الهائل بين الماضي والحاضر. الشوارع كانت تتسم بالاتساع والهدوء، والأتوبيسات تمضي في خطوط واضحة، والترام يجوب المدينة بانتظام كساعة سويسرية، والتروللي باص يربط بين الأحياء بانسيابية تامة. أما اليوم، فالمشهد يبدو مختلفًا تمامًا: زحام خانق، طوابير سيارات تمتد لأميال، وحركة مرورية تبدو وكأنها معركة يومية بين السائقين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا التغير يعكس حالة من الرفاهية، أم أنه مجرد تحوّل في السلوكيات؟ هل زاد عدد السيارات فزاد الزحام ؟ أم أن المسألة ترتبط بتصرفات الناس في الشوارع وعدم احترام قواعد السير، للمشاة وللسيارات ؟ .
بين الأمس واليوم ماذا تغيّر؟ في الماضي، كانت ثقافة استخدام المواصلات العامة هي السائدة. كان المواطن العادي يعتمد على الأتوبيسات والترام والتروللي باص لقضاء - مشاويره - اليومية، وكانت هذه الوسائل توفر الراحة بأسعار معقولة. لم يكن امتلاك سيارة خاصة حلمًا ضروريًا أو حتى مغريًا لكثير من الناس، فوسائل النقل الجماعي كانت متاحة بكفاءة وانتظام.
أما اليوم، فقد أصبح امتلاك السيارة الخاصة ضرورة عند الكثيرين، ليس فقط باعتبارها وسيلة نقل، ولكن باعتبارها جزءًا من نمط الحياة. ومن هنا جاء الزحام! فلم يعد الشارع ملكًا للأتوبيسات والترام، بل تحول إلى ساحة تعج بالسيارات الخاصة، حتى بات العثور على مكان لركن السيارة إنجازًا يوميًا. فهل هي رفاهية أم تغير في السلوك؟
قد يعتقد البعض أن امتلاك السيارات بهذا الشكل يعكس رفاهية زائدة، لكن الحقيقة ليست بهذه البساطة. فالأمر مرتبط بعدة عوامل منها: تراجع كفاءة المواصلات العامة فلم تعد الأتوبيسات والقطارات توفر الخدمة المثالية التي كانت موجودة في الماضي، مما دفع الكثيرين إلى البحث عن بدائل أكثر راحة. وكذلك التحولات الاقتصادية والاجتماعية بعد ارتفاع مستوى الدخل لدى بعض الفئات مما جعل امتلاك سيارة ممكنًا، حتى لو تطلب ذلك قروضًا وأقساطًا تمتد لسنوات. بجانب ثقافة الاستقلالية فقد أصبح الاعتماد على المواصلات العامة أمرًا غير مرغوب فيه لدى البعض، فالكثيرون يعتبرون امتلاك سيارة خاصة دليلًا على الاستقلالية والراحة وكذلك عنوانا للمكانة الاجتماعية المميزة . ورغم أن في بعض الدول، نجد ثقافة مشاركة السيارات أو الاعتماد على وسائل النقل الجماعية المتطورة، لكن في القاهرة، لا تزال هذه الثقافة ضعيفة.
لا يمكن إنكار أن الزحام أصبح مشكلة يومية تؤرق الجميع، لكن الحلول ليست مستحيلة. فيمكن تحسين المواصلات العامة بحيث تصبح أكثر جاذبية للمواطنين، والتوسع في نظم النقل الجماعي مثل مترو الأنفاق والمونوريل. وتعزيز ثقافة مشاركة السيارات من خلال تطبيقات ومبادرات تشجع على تقليل عدد المركبات الخاصة في الشوارع. وتوفير حوافز لاستخدام المواصلات العامة مثل تخفيضات على التذاكر أو تخصيص مسارات خاصة بها.
ربما لم تعد شوارع القاهرة قادرة على استعادة هدوئها السابق، لكن التغيير ليس بالضرورة سلبيًا. التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد توازن بين التطور والراحة، بين امتلاك وسائل النقل الخاصة والحفاظ على انسيابية المرور. وربما يعود الناس إلى الاعتماد على النقل الجماعي كخيار أول، أم سيظل الزحام سيد الموقف!