خبراء مصريون: 10 طرق غير تقليدية لإعادة إعمار غزة بينها «الجدران المضغوطة والبناء تحت الأرض وردم البحر»

منى سعيد

منى سعيد

كاتب صحفي

15 شهراً من العدوان على قطاع غزة، خلف نحو 50 مليون طن من الركام، وشرَّد نحو 1.9 مليون فلسطينى أصبحوا بلا مأوى يلتحفون العراء، ولم تكد الحرب تتوقف حتى خرج علينا المخطط الأمريكى الإسرائيلى لتهجير أهالى غزة، الأمر الذى وقفت ضده مصر وبقية الدول العربية، مع أهالى غزة، كحائط صد يرفض المشاركة فى تلك الجريمة، التى وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى بأنها «ظلم لن نشارك فيه»، مؤكداً أنه يمكن إعادة إعمار القطاع مع بقاء أهله فيه.

هذا الموقف الذى يبدو أيضاً أنه لسان حال كل المصريين، دفع خبراء ومهندسين مصريين إلى اقتراح عدد من الطرق غير التقليدية والسريعة لإعادة إعمار قطاع غزة خلال سنوات قليلة، بدون تهجير أهله، مؤكدين لـ«الوطن» أن تلك الطرق كانت تجارب سابقة لدول مرت بأزمات مشابهة أو كوارث طبيعية، واستخدمتها لإعادة إعمار سريع، وبعضها لا يزال قائماً للآن رغم مرور عقود، وأغلبها يقع تحت نطاق «البناء المستدام» الذى تقل تكلفته ويوفر الكثير من الطاقة.

البناء المستدام.. أفضل الطرق المعمارية

فى البداية، أكدت الدكتورة هند فروح، مدير معهد بحوث العمارة والإسكان فى المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، أن إعمار غزة بعد الحرب يتطلب اعتماد أنماط بناء تراعى الاستدامة، والأمان، والتكلفة الاقتصادية، والتحديات البيئية واللوجيستية الموجودة فى القطاع.

واتفق معها الدكتور أيمن ملوك، الخبير المعمارى المتخصص فى البناء البيئى والأخضر، ومؤلف كتاب «البناء بتربة الأرض»، مشيراً إلى أن البناء المستدام هو أفضل الطرق المعمارية، وهو ذو مفهوم شامل يعود تاريخه إلى آلاف السنين، مضيفاً أنه يعتمد على استخدام مواد طبيعية متوافقة مع البيئة، مثل الرمل، والطمى، والحجر.

بينما أشار الدكتور طارق عطية، أستاذ التشييد والبناء بالمركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، إلى أن استخدام طرق البناء المستدام بات حاجة ملحة فى العصر الحديث، فى ظل ارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات عالمياً، مؤكداً إمكانية إعادة إعمار غزة بنجاح باستخدام تلك التقنيات.

1- إعادة استخدام الركام:

إعادة تدوير الأنقاض هى الطريقة التى اتفق معظم الخبراء على أنها الأهم والأسرع لإعادة إعمار غزة، فكما يقول الدكتور أيمن ملوك، الخبير فى البناء البيئى، فإنه يمكن إعادة تدوير الركام واستخدام الأنقاض فى البناء، من خلال طحن تلك الأنقاض وكبسها باستخدام مادة لاحمة مثل الأسمنت، لتكوين خلطة جديدة تُستخدم فى بناء «السملات»، وهى الطريقة التى أظهرت أداءً مماثلاً للسملات التقليدية من حيث مقاومة الضغط.

وأضاف أن استخدام تلك الطريقة من شأنها أن تحل أزمة استيراد مواد البناء المستخدمة كمواد رابطة كالأسمنت أو الجبس والتى تحتاج إلى مصانع محلية ذات تكلفة عالية، وطاقة عالية للتشغيل، أو استيرادها بميزانيات مرتفعة.

وتتفق الدكتورة هند فروح، مدير معهد بحوث العمارة، حول إمكانية إعادة تدوير الركام والأنقاض من خلال جمع أنقاض المبانى المهدمة، ثم استخدام كسارات لطحنها وتحويلها إلى مادة صالحة للبناء بعد خلطها بالأسمنت أو الجبس بنسب بسيطة جداً، ثم ضغطها وتحويلها إلى قوالب طوب لاستخدامها فى البناء.

2- استخدام العواميد والحوائط المهدمة:

ويرى الدكتور أيمن ملوك، خبير البناء البيئى، أنه يمكن الاستفادة أيضاً من الأجزاء القائمة والسليمة من المبانى المهدمة أو المتضررة، التى تتضمن الحوائط، والأعمدة الخرسانية، والجدران، والكمرات، والأساسات، وإدماجها فى عمليات إعادة الإعمار.

وأضاف أن تنفيذ تلك التقنية يتم من خلال أولاً تقييم حالة العناصر الإنشائية، وفحص الهياكل المتبقية للتأكد من سلامتها وقدرتها على التحمل، ثم تفكيك العناصر القابلة لإعادة الاستخدام بعناية باستخدام تقنيات متخصصة للحفاظ على سلامتها.

وبعد ذلك، وفقاً لملوك، تتم معالجة وتقوية هذه العناصر، فقد يتم إصلاح أو تعزيز بعض المكونات الخرسانية بإضافة طبقات جديدة من الخرسانة أو استخدام مواد رابطة، وأخيراً إعادة تركيب العناصر فى المبانى الجديدة، حيث تُستخدم كجزء من الهياكل الحديثة، ما يقلل الحاجة لتصنيع مواد بناء جديدة.

3- ردم البحر:

وأوضح الدكتور «ملوك» أنه نظراً لصغر مساحة قطاع غزة، والاحتياج أولاً للتخلص من الردم فى حالة عدم تدويره، فإنه يمكن التخلص منه خلال ردم جزء من بحر غزة، أولاً للتخلص من مخلفات القصف، وثانياً لتوفير مساحة أكبر للبناء، وهى تقنية لها سوابق تاريخية عديدة، مثلما فعلت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ردمت مساحات كبيرة من البحر لإنشاء مناطق عمرانية وصناعية.

4- «التربة المُثبتة»:

مدير «معهد بحوث العمارة»: ظروف القطاع تتطلب اعتماد أنماط بناء تراعى الاستدامة والتكلفة الاقتصادية والتحديات البيئية واللوجيستية

إلى جانب ما سبق، ترى الدكتورة هند فروح، مدير معهد بحوث العمارة، أن إحدى الطرق السريعة لإعادة الإعمار تتمثل فى تقنية التربة المثبتة، وهى تقنية تعتمد على مزج نواتج حفر الأرض مع نسبة بسيطة من الأسمنت (تتراوح بين 3-5%) ثم ضغط الخليط لتشكيل طوب مكبوس صالح للبناء.

وأوضحت أن تلك الطريقة لا تحتاج لتكلفة مرتفعة نظراً لاستخدام مواد بيئية، كما أنها صديقة للبيئة لأنها تحد من انبعاثات الكربون، كما أن ذلك النوع من الطوب يكون أكثر صلابة ومقاومة للأحمال، موضحة أن تلك الطريقة تسمح ببناء مبان من 3 إلى 4 طوابق.

5- البناء بـ«أكياس التربة»:

وفى هذا السياق، يشير الدكتور أيمن ملوك، خبير البناء البيئى، إلى أنه من طرق البناء المستدام الممكنة البناء بـ«أكياس التربة» وهو أسلوب إنشاء مستدام يعتمد على ملء أكياس قوية (عادةً من البولى بروبيلين أو الخيش) بالتربة أو الركام المضغوط، ثم رصَّها فوق بعضها البعض لإنشاء جدران متينة، مضيفاً أنه يتم تثبيت هذه الأكياس باستخدام أسلاك شائكة بين الطبقات لمنع الانزلاق، ثم تُغطى بطبقة من الجص أو الطين لحمايتها من العوامل الجوية.

6- تقنية الجدران المضغوطة:

وإضافة لما سبق، أوضح الدكتور طارق عطية، أستاذ التشييد والبناء، أن هناك أيضاً «تقنية الجدران المضغوطة» التى تعتمد على استخدام التربة أو الركام وضغطهما بشكل مكثف داخل قوالب لإنشاء جدران متينة ومستدامة. وتُستخدم هذه التقنية منذ قرون فى البناء التقليدى، لكنها شهدت تحسينات حديثة تجعلها أكثر كفاءة وملاءمة للبناء الحديث. ولفت «عطية» إلى أن التكلفة المنخفضة من أهم مميزات تلك الطريقة، حيث توفر بديلاً اقتصادياً للبناء التقليدى.

7 - الألواح الخفيفة المعزولة حرارياً:

ومن بين التقنيات المبتكرة التى توفر حلولاً سريعة وفعالة للبناء، حسبما يشير د. أيمن ملوك، خبير البناء البيئى، تأتى «الألواح الخفيفة المعزولة حرارياً»، مثل منتج Zinon التركى، الذى أثبت كفاءة عالية فى مقاومة الزلازل خلال زلزال 2023 فى تركيا، ما دفع السلطات التركية لاعتمادها فى مشاريع إعادة الإعمار.

وأوضح «ملوك» أن تلك الألواح مصنَّعة من مواد خفيفة الوزن تتكون من طبقات معزولة حرارياً، مثل البوليسترين أو البولى يوريثان المغلف بالفولاذ أو الألومنيوم، وبفضل وزنها الخفيف، يمكن نقلها بسهولة لمواقع البناء وتجميعها بسرعة.

8- البناء تحت الأرض:

بالنظر إلى العدوان الإسرائيلى المتكرر على قطاع غزة، والذى يعتبر السبب الرئيسى فى الحاجة لإعادة الإعمار كل بضع سنوات، فإن البناء تحت الأرض يمكن أن يوفر، حسبما تشير الدكتورة هند فروح، عميد معهد العمارة، وسيلة لتقليل الخسائر وتوفير الحماية للفلسطينيين من القصف المستمر.

وتوضح «فروح» أن البناء تحت الأرض يعتمد على حفر مساحات سفلية واسعة، مع إنشاء أفنية داخلية مفتوحة للتهوية والإضاءة الطبيعية، لافتة إلى أن هذا الأسلوب يوفر عدة مزايا، منها توفير درجة من الحماية من القصف، وتقليل الحاجة إلى التدفئة أو التبريد، نظراً لأن درجات الحرارة تحت الأرض تكون أكثر استقراراً، كما أن تلك الطريقة لا تتطلب استخدام كميات كبيرة من الحديد أو الخرسانة المسلحة.

ولفتت إلى أنه نظراً لأن تلك الطريقة تواجهها بعض التحديات، مثل مستوى المياه الجوفية فى بعض المناطق، وكونها مكلفة مقارنة بالبناء التقليدى، فإنه يمكن الاستعانة بها على الأقل فى بناء ملاجئ ومستشفيات طوارئ تحت الأرض لحماية المدنيين فى أوقات الأزمات، ومخازن تبريد للأغذية تعمل بالتبريد الطبيعى.

9- إعادة تدوير حاويات الشحن «حل مؤقت»:

ولمنع تهجير أهالى قطاع غزة خلال إعادة الإعمار، يشير د. أيمن ملوك، خبير البناء البيئى، إلى أنه يمكن الاعتماد على نظام «الكونتينارات» أو تحويل حاويات الشحن إلى وحدات سكنية، هو حل يستخدم فى الأزمات والكوارث والمناطق المكتظة لتوفير مساكن سريعة وقابلة للتطوير.

وأوضح أن هذه الطريقة تعتمد على إعادة تدوير حاويات الشحن المعدنية وتحويلها لوحدات سكنية، يمكن تكديسها فوق بعضها لإنشاء مبانٍ متعددة الطوابق، لافتاً إلى أن هناك تجارب عالمية ناجحة لاستخدام تلك الطريقة، أبرزها فى ألمانيا وهولندا، حيث تم استخدامها لسكن الطلاب فى الجامعات بسبب تكلفتها المنخفضة وسهولة تركيبها.

10- الكرفانات «حل مؤقت»:

ومن جهته، اعتبر الدكتور طارق عطية، أستاذ التشييد والبناء، أنه يمكن استخدام الكرفانات أو المنازل المتنقلة كحل عملى وسريع لتوفير وحدات سكنية جاهزة توفر حماية من الظروف المناخية، مع إمكانية نقلها بسهولة عند الحاجة.

وأوضح أنه من أبرز مميزات تلك الطريقة سرعة التنفيذ، حيث يمكن إنتاجها وتركيبها فى غضون أيام قليلة، كما أن تكلفتها أقل مقارنة بالبناء التقليدى، وهى مناسبة للمناطق المؤقتة، مثل مخيمات الإغاثة.