«النور».. والعقل المقهور (1)

يوشك حزب «النور» أن يتحول إلى ظاهرة فى الحياة السياسية المصرية، فهو يكاد يكون الحزب الوحيد، الذى يتمتع بصوت مسموع على الساحة السياسية الآن، فى وقت تتوارى فيه الأحزاب الليبرالية لتحتل مكانها خلفه، ولا يماثل هذا الحزب فى الدور أو التأثير الآن سوى الحزب الوطنى المنحل، ولعل واحداً من أبرز ملامح التشوه فى حياتنا السياسية هو تسلطن هذين الحزبين، على ما بينهما من تناقض فى الظاهر، على أى انتخابات تشهدها مصر، وآخرها الانتخابات البرلمانية التى بدأنا رحلتها منذ بضعة أيام. دعونا نركز الآن على حزب النور، وننحى الحزب المنحل جانباً، فقد يكون لنا معه وقفات فى مقام آخر. حزب النور يمثل شاهداً على حالة التخلف السياسى الذى تعيشه مصر، قد تكون العبارة صادمة لأنصاره، لكن أرجو أن يتحملونى بعض الوقت، فربما وجدوا بعض الفائدة فيما أقول.

نشأ حزب النور كما تعلم بعد ثورة يناير 2011 التى أفسحت المجال، لكى تتحول الكثير من الحركات الإسلامية إلى أحزاب قادرة على العمل، مثل السلفيين والإخوان والجماعة الإسلامية، فكل هذه الحركات كانت موجودة وتعمل على الساحة، لكنها تمتعت بعد الثورة بوجود رسمى، اكتسب عمقاً أكبر مع الإنجازات الواضحة التى تمكنت من تحقيقها فى الاستحقاقات الانتخابية التى شهدتها مصر بعد يناير 2011. أذكر أننى كتبت بعد الثورة بأسابيع قليلة مقالاً فى المصرى اليوم بعنوان: «هل يبتلع السلفيون الإخوان»، ذهبت فيه وقتها إلى أن السلفيين يمثلون منافساً قوياً للإخوان، وأن شطارتهم فى توظيف الدين فى خدمة الأهداف السياسية لا تقل عن شطارة الإخوان، والدليل على ذلك تلك الملايين التى تصطف وراء أفكارهم. تبلور الموقف بعد 30 يونيو 2013 ليدعم ما كنت أردده، عندما أطاحت الملايين التى نزلت الشارع بالجماعة و«مرسى»، وتحالف السلفيون مع القوى السياسية التى دعمت النزول ضد الإخوان، وظهرت رموز حزب النور بقوة على مسرح الأحداث يوم 3 يوليو من العام نفسه، عندما أعلن الرئيس «السيسى» خريطة الطريق.

احتل حزب النور مساحة التعبير الرسمى عن تيار الإسلام السياسى منذ 30 يونيو وحتى يومنا هذا، وأتصور أن تمدده الواضح داخل هذه المساحة ارتبط برضاء السلطة الحالية، وربما كان لديها بعض الاعتبارات التى تبرر لها هذا التوجه، من بينها التمحك بوجوده على الساحة، عند السؤال عن القوى الرسمية التى تسمح لها الدولة بالتفاعل على الساحة السياسية لتعبر عن تيار الإسلام السياسى، كما أن حزب النور يمثل حركة قابلة للترويض من جانب السلطة، وهى الحركة السلفية، باستثناء السلفية الجهادية بالطبع، فسلفيو حزب «النور» لا يقلون طاعة عن جماعة الإخوان أيام كانت تعمل فى معية نظام «المخلوع» حسنى مبارك، وتاريخ العلاقة بين السلفيين والأمن قبل وبعد يناير 2011 معلوم للجميع.

والحزب من جانبه يحفظ الشعب جيداً، ويحب حالة التخلف التى وضعته فيها أنظمة سياسية متعاقبة، ويستفيد منها ويستثمرها إلى أقصى درجة كجزء من الرؤية التجارية الحاكمة لأعضائه، وكثير منهم محترفون فى مجال العمل التجارى، واستغراقهم الناجح فى هذا المجال ساقهم إلى عدم التفرقة بين التجارة فى الأجهزة الكهربائية وخلافه، والتجارة بالدين، الأمر الذى جعلهم سبباً من الأسباب المباشرة لحالة القهر التى أصابت العقل الدينى المصرى، تماماً كما ساهم الراضون عن أدائهم فى قهر العقل السياسى المصرى.