وباء الدروس الخصوصية

مجموعة من الحلول يقترح وزير التربية والتعليم «محب الرافعى» الاعتماد عليها لمواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية، من بينها: تطبيق لائحة الانضباط لجذب الطلاب مرة أخرى إلى المدرسة، ودراسة اعتماد نظام المحاضرات بالمدارس الثانوية، بدلاً من الحصص، وأن يتم تقليل اليوم الدراسى إلى ما يقارب الخمس ساعات، وتفعيل دور القنوات التعليمية، وإيجاد طرق جديدة للتواصل بين المعلمين والتلاميذ. تلك هى رؤية الوزير، وبصفة عامة أجد أن الاجتهاد فى حل مشكلة الدروس الخصوصية أمر محمود، لكن الأمر -فى ظنى- ليس بهذه البساطة، فالظاهرة لن تختفى لمجرد التحول من نظام الحصص إلى نظام المحاضرات، فالأمر هنا لا يعدو أن تطلق اسم «أحمد» على شخص اسمه «أمجد»، لأن الشخص واحد فى الحالتين، أما الحديث عن القنوات التعليمية، فلا أجده واقعياً، لأن هذه القنوات تم إغلاقها منذ عامين، بقرار من وزير التعليم الأسبق «إبراهيم غنيم»، بعد أن تسببت فى خسائر بالملايين للوزارة، كما صرح العديد من المسئولين، دون أن تكون لها جدوى فى مكافحة الدروس الخصوصية.

لست أريد بالطبع التثبيط من همة الوزير، فأمر جيد أن يجتهد فى حل تلك المشكلة التى دوخت المصريين سنين عدداً، وأصبحت المصدر الرئيسى لاستنزاف دخل الأسرة المصرية، لكننى أظن أن الحل ليس بهذه البساطة، فمشكلة الدروس الخصوصية ترتبط بثقافة اجتماعية تعتبر أن الطلب على الشهادة أهم وأجدى من الطلب على التعليم، وأوضاع تعليمية معقدة داخل المدارس المنتشرة فى قرى ونجوع مصر والتى تعانى من التكدس، ولا تملك ترف التحول إلى محاضرات، ولا يمكن أن تتحقق فيها أى تواصلية بين التلميذ والمعلم، وأوضاع اقتصادية شائكة ترتبط بدخل المعلمين، وطمع بعضهم فى تكوين ثروات باستثمار «الجهل والبلادة»، وأوضاع أسرية عجيبة أصبحت الدروس الخصوصية معها مصدراً للفخر والتباهى، وليست عاراً كما كانت فى أوقات سابقة.

المسألة جد معقدة، لأنها لا ترتبط بوزارة التربية والتعليم وحدها، بل تتعلق بالدولة والمجتمع على حد سواء، وبالتالى يستوجب التعامل معها خطة قومية محكمة لمحاصرة أسبابها المتنوعة، تعليمياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. إن المشروعات القومية الهادفة إلى تنمية المكان ضرورية ومهمة، لكن مشروعات «تنمية الإنسان» لا تقل عنها أهمية أو خطراً، وقد نكون فى أمس الحاجة إليها كمنصة انطلاق لتنمية المكان، لذلك أجد من المناسب جداً أن يتبنى الرئيس مشروعاً قومياً لمكافحة وباء الدروس الخصوصية، تتكامل فيه عناصر تطوير المدارس، مع تطوير عقل وأسلوب تفكير الأجيال القديمة والجديدة لأولياء الأمور والطلاب، مع حل مشكلات المعلمين، مع تنمية التعليم الفنى، مع التوسع فى إنشاء الجامعات حتى نخرج من سباق الحصول على المجموع للحصول على موطئ قدم داخل إحدى الكليات. إن جوهر خراب عقل ووجدان الإنسان يرتبط بتراجع التعليم. والكل يعلم أن الدروس الخصوصية هى المعول الأول لتخريب التعليم فى مصر، وبالتالى فإن الإصلاح الحقيقى للإنسان يرتبط بخطوة لا بد أن يتخذها الرئيس بدعوة المجتمع وكل مؤسسات الدولة المعنية بالمشاركة فى مشروع قومى لمحاربة الدروس الخصوصية، فتلك واحدة من البوابات الأساسية لإصلاح التعليم، وإصلاح التعليم البوابة الوحيدة لإصلاح العقل!.