بروفايل| "طلعت حرب".. أبو الاقتصاد المصري

كتب: سمر صالح

بروفايل| "طلعت حرب".. أبو الاقتصاد المصري

بروفايل| "طلعت حرب".. أبو الاقتصاد المصري

اتخذ من الاحتكار الأجنبي لمصر عدوًا له، واقترن اسمه في الأذهان بـ"بنك مصر"، حتى أصبحا وجهان لعملة واحدة، ومضى في طريق المقاومة حتى قدم رؤيته الفكرية التي أحدثت ثورة ثقافية واقتصادية استطاعت أن تطيب أوجاع مصر الاقتصادية.


"طلعت حرب" أحد أعلام الاقتصاد المصري في العصر الحديث، ولقب بـ"أبو الاقتصاد المصري" لدوره البارز في تحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية وتأسيس بنك مصر والعديد من الشركات العملاقة التي تحمل اسم مصر.


وولد بن الجمالية في رحاب مسجد الحسين عام 1889، لأسرة يعولها موظف بالسكة الحديد، ودرس الحقوق، حتى بدأ الاقتصاد المصري يخطو أولى خطواته على يده منذ عام 1906، حيث بدأ دعواه من أجل إنشاء نظام مالي مصري خالص لخدمه أبناء الوطن، فكانت نقطة البداية في طريق الحرية من الاستعمار الإنجليزي.
"علاج مصر الاقتصادي"، عنوان الكتاب الذي طرح من خلاله فكرته بضرورة إنشاء بنك للمصريين لخدمة المشاريع الاقتصادية في مصر والنظر في المشكلات الاجتماعية، فأشعل الحماس في نفوس الكثيرين، وأسس شركة التعاون المالي برأس مال مصري عام 1908، لتقديم العديد من القروض المالية للشركات الصغيرة المتعسرة ماديًا، إلا أن الحرب العالمية الأولى حالت دون تنفيذ الفكرة مؤقتًا.

وشارك طلعت حرب في ثورة 1919 التي كانت بمثابة الشرارة لانطلاق فكرة إنشاء أول بنك مصري في ذهنه، واستطاع "أبو الاقتصاد المصري" أن يقنع 126 من المصريين بالاكتتاب لإنشاء البنك، بمبلغ ثمانون ألف جنيه، وفي الثلاثاء الموافق 13 أبريل عام 1920 نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى "بنك مصر".

بُنيت سواعد هذا البنك برؤوس أموال مصرية مستقلة، فلم للمستثمر الأجنبي نصيبًا في هذا البنك، محققًا الحلم الذي راود الكثيرين منذ أيام محمد علي باشا.
ولم يمض سوى عامين فقط، بعد إنشاء البنك حتى أنشأ طلعت حرب عام 1922 أول مطبعة مصرية برأس مال قدره 5 آلاف جنيه، لدعم الفكر والأدب وتوالت الشركات المصرية التي ينشئها البنك مثل شركة مصر للنقل البري التي قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب، إضافة إلى شركة مصر للنقل النهري ثم شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى.


ولم يقف سقف طموحات طلعت حرب عند المشاريع المصرية فقط بل سعي لقيام بنك مصر بدور أكبر في الأقطار العربية، فدخل مساهمًا في عدة مشاريع عربية لدول مختلفة كالسعودية وسوريا والسودان، وتمتع بعضويات مجالس إدارات شركات أجنبية، وساهمت هذه العلاقات في فتح أبواب جديدة للتعاملات الخارجية.


ولم يقتصر اسم طلعت حرب على "بنك مصر" فقط، بل امتد إلى شركتي مصر للطيران، ومصر للسياحة، إضافة إلى شركة مصر لغزل الحرير، وشركة مصر لحلج القطن، والغزل والنسيج.

وبجانب الصناعة والاقتصاد، ترك بصمته في المجال الفنى، حيث وضع حجر الأساس لبناء ستديو مصر في السابع من مارس عام 1934، وكان فيلم"وداد" لكوكب الشرق أم كلثوم هو باكورة إنتاج الاستديو.


وجاءت حقبة الأربعينيات لتعلن بداية الكساد وتراجع نجومية "طلعت حرب"، فعلى الرغم من النجاح الذي حققه بنك مصر والإنجازات الاقتصادية التي قام بها إلا أن الأزمات المفتعلة من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي وبوادر بدأ الحرب العالمية الثانية أدت إلى حالة من الكساد الاقتصادي ودفعت المخاوف الكثيرين لسحب ودائعهم لدى بنك مصر مما تسبب في أزمة سيولة مالية.

في عام 1940 فوجئ طلعت حرب بآلاف المودعين يسحبون أموالهم من البنك، وسحب صندوق توفير البريد لكل ودائعه من بنك مصر، واضطر حرب لتقديم استقالته وترك البنك، وقال جملته الشهيرة:"مادام في تركي حياة للبنك فأذهب أنا وليعيش البنك".
لم يصمد رجل الاقتصاد المصري كثيرًا أمام تلك الأزمة، وفي 13 أغسطس عام 1941 رحل عن عالمنا تاركًا صرحًا اقتصاديًا كبيرًا خلفه.

وحصل طلعت حرب على لقب الباشوية عام 1936، ومنح اسمه قلادة النيل العظمى عام 1985، وأطلق اسمه على أحد أهم ميادين القاهرة، وأقيم له تمثال بنفس الميدان عام 1936.


مواضيع متعلقة