صلابة موقف مصر والاصطفاف العربي.. أجهضا دعاوى التهجير

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

أدارت مصر ببراعة مسألة توجهات الرئيس الأمريكي ترامب بشأن دعوته إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن.

حشدت مصر الصف العربي وجيشت الرأي العام الشعبي والرسمي ضد هذه الفكرة التي تسبب ضررا للأمن القومي المصري وتنهي القضية الفلسطينية.

استخدمت مصر مكانتها الدولية وعملت دبلوماسيتها الاحترافية على إجهاض هذا التوجه الخطير لإدارة ترامب. ا

صطف الأشقاء العرب بجانب الحق الفلسطيني ودرء للخطر الذي تمثله دعوة ترامب وكان الموقف المصري صلبا فتراجع ترامب عما أبداه.

كما أن توجهات ترامب لم تجد تأييدا حتى في داخل أمريكا نفسها، فهاجمته وسائل الإعلام وأعضاء بالكونجرس وأشخاص من داخل إدارته بالبيت الأبيض ذاته بل دعا البعض إلى عزله لخروج تصريحات عديدة على لسانه في الفترة الماضية في نفس السياق في أمور تخص دول أخرى.

وقد رفضت الأمم المتحدة ما دعا إليه ترامب وكذلك دول أوروبية، وفي النهاية كان الاصطفاف العربي حائط صد منيع في مواجهة ما أعلنه ترامب.

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، بشأن تهجير سكان قطاع غزة والاستيلاء على أراضيهم موجة واسعة من الغضب في الأوساط العربية والدولية، ما أدى إلى رفض واسع لهذه الطروحات التي تتعارض مع القانون الدولي والمبادئ الإنسانية.

إلا أن المثير في الأمر هو تراجع ترامب عن تصريحاته لاحقًا بعد الضغط المتزايد من الشعوب العربية وحكومات المنطقة، مما يفتح الباب للتساؤل: هل هذا التراجع نهائي أم مجرد خطوة تكتيكية تهدف إلى امتصاص الغضب والعودة لاحقًا بمخططات جديدة؟

جاءت تصريحات ترامب في سياق التصعيد المستمر في قطاع غزة، حيث طرح بشكل غير مباشر فكرة تهجير سكان القطاع إلى أماكن أخرى، مع تلميحات حول إمكانية إعادة توزيع الأراضي بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

هذه التصريحات لم تكن مفاجئة في ظل مواقف ترامب السابقة الداعمة لإسرائيل، لكنها أثارت صدمة نظراً لخطورة الطرح، الذي يتناقض مع أبسط حقوق الشعب الفلسطيني.

أثارت تصريحات ترامب ردود فعل غاضبة في العواصم العربية، حيث أعلنت مصر والأردن رفضهما القاطع لأي محاولات لإعادة هندسة المنطقة ديموغرافيًا، كذلك، شهدت الشوارع العربية مظاهرات واسعة تندد بهذه التصريحات .

بعد موجة الرفض الكبيرة، خرج ترامب بتصريحات مغايرة، تراجعه يثير تساؤلات حول دوافعه

الحقيقية : هل أدرك أن تصريحاته قد تؤثر سلبًا على علاقات واشنطن بدول المنطقة؟ أم أنه مجرد تكتيك سياسي لاحتواء الغضب ثم العودة لاحقًا بصياغة جديدة لنفس الفكرة؟

من المحتمل أن إسرائيل نفسها لم تكن مرتاحة لهذه التصريحات، إذ أن طرح فكرة التهجير العلني يضعها في موقف محرج أمام المجتمع الدولي ويزيد من عزلتها.

ورغم أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لطالما سعت إلى تقليص الوجود الفلسطيني في غزة، إلا أن التصريح العلني بمثل هذه المخططات قد يؤدي إلى تداعيات دبلوماسية خطيرة حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.

من المؤكد أن هذه الأزمة تركت أثرًا في العلاقات بين واشنطن والدول العربية، حيث باتت الأنظمة أكثر حذرًا من التعامل مع إدارة ترامب، خاصة في ظل سياساته التي لا تعير اهتمامًا للمخاوف وللمصالح العربية.

التجربة السياسية تشير إلى أن الولايات المتحدة نادرًا ما تتراجع عن سياساتها تجاه الشرق الأوسط إلا إذا واجهت ضغوطًا كبرى. وبالتالي، فإن استمرار الضغط العربي والدولي قد يساهم في تقليل فرص عودة مثل هذه الطروحات مستقبلاً.

لا ينبغي الاكتفاء باعتبار التراجع الأمريكي انتصارًا مؤقتًا، بل يجب استغلال هذه اللحظة لفرض مزيد من الضغوط على الإدارة الأمريكية من أجل إعادة إحياء مسار سياسي أكثر توازنًا. وهذا يتطلب توحيد الموقف العربي، ودعم الجهود الفلسطينية، وتوظيف الدبلوماسية الدولية لمواجهة أي مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

تراجع ترامب عن تصريحاته بشأن تهجير سكان غزة لم يكن بسبب الاصطفاف العربي وحده، لكنه كان أحد العوامل المهمة التي ساهمت في ذلك. هناك عدة أسباب محتملة لهذا التراجع، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

الرفض القاطع من مصر والأردن والدول العربية ما شكّل عاملًا أساسيًا في دفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة النظر في التصريحات. كما أن ردود الفعل الشعبية، المتمثلة في الاحتجاجات والمظاهرات في عدة دول عربية، أرسلت رسالة واضحة بأن أي محاولة لفرض تهجير الفلسطينيين ستؤدي إلى اضطرابات كبيرة في المنطقة.

وعلى الرغم من أن إسرائيل لطالما عملت على تهجير الفلسطينيين بطرق غير مباشرة، فإن الإعلان الصريح عن هذا الأمر كان محرجًا لها على الساحة الدولية. ربما مارست إسرائيل نفسها ضغوطًا على ترامب للتراجع، تجنبًا لإحراجها أمام شركائها الأوروبيين وحتى داخل الولايات المتحدة.

كما أن التصريحات قوبلت برفض من جهات دولية مؤثرة، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان، التي رأت فيها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. حتى داخل الولايات المتحدة، كان هناك انتقادات من سياسيين ووسائل إعلام، مما جعل ترامب يدرك أن المضي في هذا الاتجاه قد يسبب له أضرارًا سياسية.

وربما وجد ترامب السياسي البراجماتي أن استمرار هذا الخطاب قد يؤدي إلى خسارة بعض الدعم داخل الولايات المتحدة، خصوصًا من الأوساط الليبرالية ومن الناخبين الذين يفضلون سياسة أمريكية متوازنة في الشرق الأوسط.

كما أن أي حديث عن تهجير سكان غزة قد يؤدي إلى تصعيد عسكري خطير في المنطقة، خاصة إذا واجهته الفصائل الفلسطينية والمقاومة برد فعل عنيف. الولايات المتحدة لا ترغب في إشعال حرب قد تؤدي إلى اضطراب مصالحها في المنطقة.

من الصعب القول إن تراجع ترامب نهائي. قد يكون تكتيكيًا لامتصاص الغضب ثم إعادة طرح الأفكار نفسها بطريقة مختلفة في المستقبل. السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل قائمة على دعمها المطلق، لكن شكل هذا الدعم قد يتغير وفق الظروف والضغوط الدولية.

الاصطفاف العربي كان جزءًا من الأسباب التي دفعت ترامب إلى التراجع، وكذلك الانتقادات الدولية، والمخاوف من تأثير هذه التصريحات على الداخل الأمريكي. ومع ذلك، يجب على الدول العربية الاستمرار في الضغط الدبلوماسي لضمان عدم عودة مثل هذه الأفكار مستقبلاً.