«جليلة» عجوز تسعينية تطلب الطلاق بعد 70 سنة زواج ووفاة ابنيها.. ما السبب؟

«جليلة» عجوز تسعينية تطلب الطلاق بعد 70 سنة زواج ووفاة ابنيها.. ما السبب؟
«الضهر اتكسر والقلب اتطفا والعمر ضاع من يوم ما غابوا الغاليين».. بحلق أصبح لا يعرف إلا طعم المرارة وسط ردهات محكمة الأسرة؛ جلست الحاجة «جليلة» تجاوزت التسعين من عمرها، تردد تلك الكلمات وترسى حالها، متوكئة على عصاها الخشبية التي تعينها على السير ولا يمكنها التحرك دونها؛ وتنظر إلى السماء وكأنها تستغيث بعد أن خذلها الجميع؛ وتحكي تجاعيد وجهها الهذيل عمرًا طويلًا مليئًا بالصبر والكفاح، ودموعها لم تفارق عينيها التي أنهكها العمر والحزن، إذ حملت سنواتها التسعين، وذهبت إلى محكمة الأسرة وفقًا لحديثها مع «الوطن»؛ فما القصة؟
البداية.. زواج بأمر زوج أمها
ما أثقل قلبها لم يكُن الشيخوخة، بل ما تعرضت له على يد زوجها بعد أكثر من سبعين عامًا من الزواج؛ لتسرد على أوراق دعوى الطلاق كلمات لم يتحملها قلب بشر، «كنت بت 18 سنة بعد ما ماتت أمي وجوز أمي جوزني لابنه (زوجها الحالي)، وبدأت حكايتي اللي لو اتعملت مسلسل محدش هيصدقها وتستعجب الناس من الجحود واللي حصل فيا.. الأيام والليالي اللي عدت كتير بس كانت مرة زي الحنضل»، على حد حديث «جليلة».
منذ أكثر من سبعة عقود أجبرتها عائلتها وهي في مقتبل العمر على الزواج من «ابن زوج والدتها» وكان يعيش ويعمل في القاهرة بينما كانت هي فتاة من إحدى القرى الريفية البسيطة، وتركت جليلة أهلها بعد وفاة والدتها لترافقه إلى المدينة، وبدأت معه حياة مليئة بالتحديات، وعملت معه كتفًا بكتف ودعمته في بناء حياتهما، ووسط كل ذلك رزقت بولدها الكبير وعاشا حياة بسيطة ولكن مليئة بالكفاح، وبعد 15 عامًا أنجبت ولدين، هما فرحتها وسندها في الحياة، إلى أن اختار الله سبحانه وتعالى ابنيها الأكبر والأصغر أن يتوفيا في حادث أليم منذ 10 أشهر في بداية عام 2024، وفقًا لحديثها.
جليلة تروي السنوات الأولى من زواجها
مسحت «جليلة» دموعها من على خديها خلال حديثها استذكرت تفاصيل من حياتهما، «كانت الحياة صعبة وعشت عمري كله في أوضة ضيقة لكني كنت بقول الست الجدعة تتحمل عشان ولادها، وبكرة يبقوا 3 رجال وكل راجل يكون عنده بيت، وعاهدت نفسي أربيهم كويس عشان يكونوا رجالة شداد يتحملوا العيشة والزمن، ورضيت بالقليل عشانهم، ومن صغرهم اتعلموا الشغل وكل واحد شافله صنعة، ومع الوقت ده بدأ أبوهم يتكل عليا وعليهم»، لتبدأ قصتها على يد رجل عنيف يجبرها على الرضوخ للعمل تحت أي ظرف وأي مرض فقط لتأمن له قوت يومه.
لكنها قررت أن تتأقلم وتبني بيتًا متينًا وتربي أبناءهما، وهي ترجو من الله أن يكون حظهم في الحياة أفضل منها ومن الظروف التي ولدوا بها، وعاشت مع زوجها على الحلوة والمرة وتقبلت عيوبه وتحملت قسوته في كل الأوقات حتى في مرضها، لأن حبها لأبنائها كان يجعلها ترى الأمور بعين الصبر؛ «زمان مكنش في الطلاق زي دلوقتي وكنت ست على قدي مش متعلمة ولا ليا حد أروحله، وكنت بترجا ربنا أنه ميطلقنيش عشان مكنش ليا مكان أعيش فيه بولادي»، الرضا كان صاحبها الوحيد طوال تلك الرحلة التي استمرت أكثر من 70 عامًا.
«العيال بقيت رجالة كبيرة وعشت اتباهى بيهم عمري كله، ولا حد كان يقدر عليا والزمن غرني بيهم، ولما كبروا قعدوني من شغل البيوت، وأكرموني، ومكنش أبوهم يقدر يتكلم معايا في وجودهم، وافتكرت أن الحال دايم، وبعد ما جوزتهم الـ3 بقى ليا 3 بيوت، وملوا الدنيا عليا عيال وعمر ما واحد فيهم حرمني من حاجه، ومن أكتر من 20 سنة سافر ابني الوسطاني يشوف أكل عيشه بره، وعشت بين ابني الكبير والصغير وأشتروا ليا وابوهم شقة»، وفقًا لحديث «جليلة».
موت ابنيها في حادث معًا
الحال استمر سنوات وسنوات ولن تلقي «جليلة» بالًا لفواجع الأقدار، ولكن القدر لم يكن رحيمًا بها، فقبل 10 أشهر، تعرض أبناؤها لحادث أليم خلال سفرهم، ولم يعودوا أحياء وفجأة أصبحت بلا سند، وصدمتها الحادثة لكنها لم تتوقع أن تتحول حياتها إلى كابوس أكبر ولم تستوعب الصدمة، وانهار عالمها فجأة، وبعد الحادث الذي خطف ولديها، دخلت في دوامة من الألم لم تكن تتخيل أنها ستعيشها وهي في هذه السن، «كنت بدعي ربنا يومي يكون قبل يومهم، ومكنتش أتخيل إني أقعد في جنازتهم».
لم يكن الحزن على ولديها فقط، بل على كل شيء فقدته، أبناؤها الذين كانوا السند، إذ رحلوا وتركوا خلفهم حزنًا يلتهم روحها يومًا بعد يوم، وتاركين لها 6 أحفاد من رائحتما يحملون ملامحهما التي استوحشتها، وكانت تقضي لياليها في بكاء مستمر وهي تستعيد ذكرياتها مع أبنائها وتتذكر أحاديثهم التي كانت تملأ البيت بالحياة، ومن قسوة الحزن عليها كادت أن تفقد عقلها لولا رحمة الله عليها، وفقًا حديثها، لكنها لم تكن تلك هي الشيء الوحيد الذي يثقل كاهلها، وفي الوقت الذي كانت تنتظر فيه المواساة من أقرب الناس لها، صفعتها التوقعات.
غدر الزوج وتخليه عنها سبب أليم للطلاق
فالرجل الذي قضت معه أكثر من 70 عامًا، وبدلًا من أن يكون السند لها في هذا العمر، كان الجحود هو ردة فعله كالعادة، وتركها تواجه ألمها وحدها وازدادت الأمور سوءًا بطردها من المنزل الذي اشتراه أولادها، «قالي مبقاش ليكي عازة روحي شوفي مكان تعيشي فيه البيت ده مش ليكي لقيتني بره بيتي، ولولا لطف ربنا كان زماني في الشارع، والجيران استقبلوني في بيتهم لأني مش بقدر أتحرك»، وكانت تقضي لياليها بين ألم الجسدي الذي أرهقته الشيخوخة وألم قلبها على فراق ابنيها الذي مزقه روحها، ولم تعد ترى طعماً للحياة.
جليلة كانت تعلم جيدًا أن الجيران الذين أشفقوا على حالتها، وعاشت أشهرًا معهم في غرفة صغيرة وهي تعاني الوحدة والمرض، ليسوا قادرين على تحمل مسؤوليتها ومصرفاتها العلاجية حتى ينفذ أمر الله، ققرت أن يصحبها حفديها إلاي منزل والده «ابنها الأكبر» وكان الحزن يلاحقها في كل زاوية، ولم تنفك ذكريات زوجها الذي شاركت معه الحياة بكل صبر وكانت تجد نفسها بين الحزن والفقد وتتجرع مرارة الخذلان من أقرب الناس إليها، على حد روايتها.
جليلة في محكمة الأسرة بعد 70 سنة جواز
بعدها لجاءت «جليلة» إلى محكمة الأسرة بزنانيري تطلب حقها، وطلبت الطلاق للشقاق رقم 276 بكلمات أدمت القلوب «عشت معاه 70 سنة، لا بعته ولا قصرت معاه، وما سبتوش ولا يوم حتى لما تعب أنا اللي وقفت جنبه وشلته ولما جيت أحتاجه رماني في الشارع ومش عايزة حاجة غير حقي وكرامتي».