تحديات اقتصادية: حزمة إصلاحات جريئة لمواجهة الأزمات العالمية

تحديات اقتصادية: حزمة إصلاحات جريئة لمواجهة الأزمات العالمية
أدرك المصريون مبكراً حجم التحديات الاقتصادية التى خاضتها الدولة على مدار العام المنصرم، حيث شهد عام 2024، مجموعة من الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية، والتى تحولت إلى تحديات كبيرة فى مواجهة النظم الاقتصادية للبلدان النامية، إذ ألقت هذه التحديات بظلالها على العديد من القطاعات الحيوية التى تعتمد عليها الدول، فى زيادة مواردها وقوة اقتصادها، ولم تكن مصر بمنأى عن تلك الأزمات والتحديات العالمية، حيث امتدت آثارها إلى الاقتصاد المصرى، إلا أن جاهزية الاقتصاد الوطنى، ودعمه بحزمة من الإجراءات والإصلاحات الجريئة، التى اتخذتها الدولة على مدار السنوات الماضية، كانا بمثابة «حائط صد» فى مواجهة أى تأثيرات خارجية، والحد من تداعيات تلك الأزمات والتوترات التى يشهدها العالم، كما شكل وعى المواطن المصرى وثقته واستيعابه لما يتعرض له العالم من أزمات اقتصادية وسياسية عاملاً قوياً فى التصدى لتلك التحديات، حيث اتخذت الدولة المصرية مجموعة من الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية على مدار الـ10 سنوات الماضية، لتضع القيادة السياسية أساس الجمهورية الجديدة، الذى يرتكز على محاور بناء اقتصاد قوى وأهداف تنموية عابرة للأجيال.
تنوع موارد الاقتصاد يزيد قدرته على التكيف مع التوترات الخارجية
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، تعاقبت الأزمات العالمية بشكل سريع، بداية من «كوفيد-19»، والحرب الروسية - الأوكرانية، ثم الحرب فى قطاع غزة، إضافة إلى التوترات السياسية على الحدود، مثل ليبيا فى الغرب، والسودان فى الجنوب، فضلاً عن أحداث سوريا، كل هذا تسبب فى حالة من عدم الاستقرار بالمنطقة، والتى انعكست تأثيراتها على مصر، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتضيف مزيداً من الضغوط على الأمن الغذائى العالمى، الذى تعرض لاضطرابات شديدة خلال جائحة «كوفيد-19»، إذ ارتفعت الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية والطاقة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ونظراً لاعتماد مصر بشكلٍ كبير على روسيا وأوكرانيا فى الحصول على نحو 30% من واردات الذرة، و85% من احتياجاتها من القمح، ولتقليل وطأة هذه الحرب، اتخذت مصر عدداً من الخطوات، مثل الاتجاه لأسواق بديلة لاستيراد الحبوب، وزيادة المساحات المنزرعة من القمح، وتأمين المخزون الاستراتيجى من السلع الأساسية لفترات زمنية طويلة، فضلاً عن تعزيز السياحة، وإطلاق وثيقة سياسة ملكية الدولة لتشجيع القطاع الخاص، بما يعزز قدرة الاقتصاد على التعامل مع الأزمات الحالية.
كما امتدت تداعيات الحرب فى قطاع غزة، لتشمل اقتصادات دول الجوار، ولم تقتصر التأثيرات على الجانب السياسى والأمنى فحسب، بل انعكست أيضاً على الأداء الاقتصادى فى عدد من الدول المجاورة، ومنها مصر، إلا أن الاقتصاد المصرى بحكم تنوع موارده، أصبح قادراً على التكيف مع كل هذه التحديات، ورغم تعرض إيرادات قناة السويس لضغوط كبيرة، بعد أن اضطرت شركات الشحن إلى تجنب المرور فى القناة الواصلة بين الشرق والغرب، والتى تمر منها نسبة 10% من حجم التجارة العالمية، بعد زيادة الأخطار مع تهديدات الحوثيين، إلا أن السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة كانت عوامل مساعدة فى دعم تدفقات النقد الأجنبى، إلى جانب استقرار نسبى فى سعر الصرف، رغم الضغوط التضخمية الناجمة عن التضخم المستورد والمحلى.
ووفقاً لبيانات البنك المركزى، انخفضت إيرادات قناة السويس فى عام 2024 بنحو 60% مقارنةً بمستوياتها فى عام 2023، والتى زادت على 10 مليارات دولار، إثر الأحداث الراهنة فى منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتى أثرت سلباً على حركة الملاحة فى القناة، كما شكلت تهديدات مباشرة لحركة التجارة العالمية، وسجل النشاط فى قناة السويس انكماشاً بنسبة 30% خلال عام 2023/ 2024، قياساً بالعام السابق، بينما سجل انكماشاً بنسبة 68% خلال الربع الأخير من العام، بحسب وزارة التخطيط.
تمثلت بداية الإصلاحات الاقتصادية فى قيام البنك المركزى فى 14 مارس 2016، بتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، ما ترتب عليه رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض؛ للحد من آثار التضخم، وواصل الدولار رحلة صعوده أمام الجنيه حتى بلغ ذروته فى سبتمبر 2016 ووصل سعره فى السوق الموازية 20 جنيهاً فى الوقت الذى كان يباع فى البنوك بنحو 8.85 جنيه، وهنا كان لا بد من استمرار الدولة فى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ليأتى بعد ذلك قرار البنك المركزى المصرى بتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية فى 3 نوفمبر 2016، ليمثل طوق نجاة للجنيه المصرى، والحفاظ على الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية وزيادته، الأمر الذى ساهم فى القضاء على السوق السوداء للدولار، وتقليص الضغط على العملة الأجنبية.
وفى شهر فبراير من العام 2024، وقعت مصر والإمارات اتفاقاً لتطوير مشروع مدينة «رأس الحكمة» على الساحل الشمالى لمصر، باستثمارات إجمالية بلغت 35 مليار دولار، وهو ما دفع صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر إلى مستوى قياسى بلغ 46.1 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزى، وتجاوب الاقتصاد المصرى مع خطط الدولة المصرية، حيث انعكست الإصلاحات والإجراءات الجريئة على مؤشرات الأداء الاقتصادى خلال الربع الأخير والعام المالى الماضى 2023/ 2024، وأظهرت بيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولى أن الناتج المحلى الإجمالى للاقتصاد المصرى سجل معدل نمو 2.4% خلال الربع الأخير من العام المالى 2023/ 2024، وهو ما ساهم فى وصول معدل النمو السنوى إلى 2.4%، مُقارنةً بمُعدّل نمو 3.8% فى العام الـمالى السابق 2022/ 2023، تأثّراً بالصدمات الخارجيّة المتتالية والتوتّرات الچيوسياسيّة، بالإضافة إلى السياسات الانكماشية التى انتهجتها الحكومة لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلى، وعلى رأسها حوكمة الاستثمارات العامة.
كما نجحت مصر فى إدارة ملف الدين الخارجى، والتعامل معه بشكل إيجابى، لتتمكن من سداد 7 مليارات دولار خلال شهرى نوفمبر وديسمبر 2024 من الديون المستحقة، ليصل إجمالى ما تم سداده خلال عام 2024، إلى 38.7 مليار دولار، وساهم فى ذلك توقيع صفقة رأس الحكمة، ما وفر سيولة دولارية ضخمة، وزيادة الموارد من النقد الأجنبى، وتوقعت وحدة «فيتش سوليوشنز»، التابعة لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتمانى، أن ينخفض عجز الحساب الجارى فى مصر إلى 4.8% فى السنة المالية الحالية، من 6.8% فى السنة المالية السابقة، فيما كشف تقرير للبنك الدولى عن استقرار التوقعات بشأن نمو الاقتصاد المصرى للأعوام 2024 و2025 و2026، حيث تم تثبيت توقعات النمو عند 2.8% و4.2% و4.6% على التوالى، وأشار التقرير إلى أن تعافى الاقتصاد المصرى فى العامين المقبلين، يأتى مدفوعاً بعوائد مشروع تنمية منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالى الغربى لمصر على البحر المتوسط.