الدعم النقدي يغلق أبواب الفساد

جمال حسين

جمال حسين

كاتب صحفي

لا يختلف اثنان على أنَّ قضية الدعم واحدة من أهم القضايا ومن أبرز الأولويات والتحديات التى تواجه الحكومة منذ سنوات كونها ترتبط بشكل وثيق باحتياجات المواطنين خصوصاً الفئات الأَولى بالرعاية.

ولا يختلف اثنان على أنّ الدعم العينى لم يكن يصل إلى مستحقيه وأنّه كان بوابة خلفية للفساد والإفساد، والأمثلة كثيرة، فالدقيق المدعم كان أصحاب المخابز الجشعون يبيعونه في السوق السوداء وهكذا كان يذهب السكر المدعم إلى مصانع الحلويات الكبرى لاستخدامه في صناعة التورتات والحلويات الشرقية التي يعيدون بيعها للمواطنين بأسعار خيالية وهكذا الحال في معظم السلع التموينية.

لذلك أحسنت الدولة أن فكرت في تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي يستخدمه المواطن في شراء ما يشاء في أي وقت يريد..

تابعت منذ أيام قليلة جلسة مجلس النواب التي خصصت لمناقشة مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي، الذي يهدف إلى تحسين نظام الدعم الحكومي وضمان وصوله إلى مستحقيه بشكل أكثر فاعلية.

الدولة أكدت -على لسان رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي- أنّ الدعم النقدي سيسهل على المواطن الحصول على السلع والمنتجات التي يرغب في شرائها من العديد من المنافذ وفقا لاحتياجاته وأنّه من الممكن أن تبدأ في التحول من دعم السلع الأساسية لتقديم مساعدات نقدية مباشرة للمواطنين الأكثر احتياجا ابتداء من السنة المالية الجديدة، والتي تبدأ في الأول من يوليو 2025.

وبطبيعة الحال ظهر من يشكك في نوايا الحكومة بإحلال الدعم النقدي بدلًا من الدعم العيني وصاحب ذلك حالة من النقاش والجدل عقب طرح الفكرة.

لذلك كان من الواجب الرد على عدد من التساؤلات التي تشغل الرأي العام وتلامس نبض الشارع حرصاً على تعزيز الوعي المجتمعي بكل تفاصيل القضية وهذه التساؤلات هي: ما فوائد الدعم النقدي للمواطنين مقارنة بالدعم العيني، وما تأثير الدعم النقدي على القدرة الشرائية للأفراد؟ وهل توجد قطاعات تستفيد أكثر من الدعم العيني مقارنة بالدعم النقدي؟، وكيف يمكن أن يؤثر الدعم النقدي على التضخم؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة نقول إنَّ الدعم بكل أشكاله، نقدي أو عيني، يعد من أدوات الحماية الاجتماعية التي تلجأ إليها الدولة لتحسين مستوى المعيشة ومساعدة الأسر الأكثر احتياجا، لكن الدعم النقدي عبارة عن تحويلات نقدية مباشرة للأسر الأكثر احتياجا دون تقديم سلع معينة ويوفر العديد من المميزات أهمها إعطاء مرونة وحرية أكثر للمواطن لشراء سلع متنوعة وتقليل الهدر والفساد في منظومة الدعم العيني الحالي والقضاء على فكرة وجود أكثر من سعر للسلعة، كما يضمن القضاء على التلاعب بالسلع التموينية، وتعزيز القدرة الشرائية للأفراد ما يسهم في تعظيم الاستهلاك المحلي وبالتالي دفع عجلة الاقتصاد الكلي كما يؤدي إلى وصول الدعم إلى مستحقيه بكفاءة وفاعلية أكبر.

وفيما يخص تأثير الدعم النقدي على القدرة الشرائية للأفراد فإنّه سيؤدي إلى زيادة الدخل المتاح للأفراد ما يمنحهم قدرة أكبر على شراء سلع وخدمات يحتاجونها، كما يسهم في رفع مستوى المعيشة للأسر من خلال تلبية الاحتياجات الأساسية ويعطي للأفراد والأسر مرونة في اختيار سلع وخدمات بحرية أكبر، ما يؤدي إلى تنشيط عجلة الاقتصاد وزيادة الطلب على السلع والخدمات، كما أنّ الدعم النقدي يعد إحدى الأدوات الفعالة لتحسين القدرة الشرائية للأفراد.

ورداً على تساؤل: «هل يوجد قطاعات أو مجموعات تستفيد أكثر من الدعم العيني مقارنة بالدعم النقدي؟» أقول بالتأكيد، لأن الدعم العيني يؤدي إلى طول حلقة الإمداد والتموين، وبالتالي ضعف الرقابة، إذ يصل الهدر في بعض السلع إلى 30% طبقا لبعض الإحصائيات، إضافة إلى أنّ المخابز والمنافذ التموينية من الممكن أن تتلاعب بالسلع التموينية، وبالتالي نجد سوقا سوداء لهذه السلع، ولك أن تعلم أنّ وزارة التموين لديها أكثر من 35 شركة تابعة لتوفير السلع التموينية لحوالي 70 مليون مواطن شهريا، ومع هذا العدد المهول ومع عدم كفاءة سلاسل الإمداد والتموين فإنّ ذلك يعزز الفساد والهدر وعدم إيصال الدعم لمستحقيه.

وعن تأثير الدعم النقدي على التضخم مردود عليه بإتاحة مبلغ الدعم النقدي في صورة بطاقة ائتمانية خاصة بمشتريات سلع محددة وخدمات أساسية معينة من أماكن متعاقد عليها مسبقا من جانب الدولة وبالتالي تضمن الدولة مراقبة أوجه الإنفاق وضمان عدم تسرب مبلغ الدعم في أوجه صرف غير مخصصة لها.

الخلاصة فإنّ التحول للدعم النقدي يعد الأفضل والأسرع لوصول الدعم للمستحقين وتحقيق العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية بين المواطنين، وفقا لما أكدته التجارب الدولية.