فيروز.. صوت الأمل والألم والوطنية
فى عامها التسعين، تظل المطربة اللبنانية فيروز رمزاً للفن العربى الأصيل الذى تجاوز حدود الزمن ليصل إلى قلوب الأجيال المختلفة. بدأت مشوارها فى خمسينات القرن الماضى، وصوتها الذى يملأ الأرجاء اليوم يحاكى الوجدان العربى فى كل مكان. فيروز، التى تُعد واحداً من أعظم الأصوات فى تاريخ الموسيقى العربية، لم تقتصر أغنياتها على الحب والمشاعر الإنسانية فحسب، بل امتدت لتشمل قضايا الوطن والقدس، مما جعلها تجسد رمزاً للفن الذى يعبّر عن أعمق قضايا الأمة.
تتميز أغانى فيروز العاطفية بحساسية عميقة وقوة فى التعبير عن المشاعر الإنسانية. تناولت فى أغنياتها موضوعات الحب والفراق والاشتياق بأسلوب ساحر، حازت به على إعجاب الجماهير فى مختلف أنحاء العالم العربى. كلماتها تتسلل إلى الروح، وصوتها يلامس أعماق القلب، واستطاعت أن تمزج بين البساطة والعاطفة لتصل إلى أعمق مشاعر المستمعين.
لم تتردد فيروز على مدى مسيرتها الفنية فى استخدام صوتها للتعبير عن قضايا الوطن والإنسان. فى أوقات الحرب والتحديات، كانت فيروز صوتاً للأمل، تدعو إلى الوحدة والوقوف فى وجه المحن. أغنياتها السياسية كانت تلامس قلوب العرب أينما كانوا، وفى طليعة هذه الأغانى كانت «زهرة المدائن» التى تغنت بها للقدس. هذه الأغنية، التى تحمل أبعاداً سياسية وروحية، أصبحت رمزاً للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، فالصوت الذى يصدح بها هو صوت يطالب بالحرية والعدالة ويعبر عن معاناة الشعب العربى الفلسطينى.
بقيت فيروز وفنانون عرب آخرون يقدمون الفن كأداة للمقاومة والدفاع عن قضايا وطنهم، فالفنان صوت الشعب، وعندما يحسن استخدامه يصبح وسيلة فعّالة لنقل معاناة الناس وأحلامهم. أم كلثوم، كانت تمثل صوت مصر فى المناسبات الوطنية، وكان صوتها يعبّر عن القوة والثبات فى أوقات الشدة. وكانت أغانى عبدالحليم حافظ الوطنية تُظهر التضحيات التى قدمتها الأمة العربية. وكان لمحمد عبدالوهاب دور كبير فى تقديم الفن العربى الذى يحمل فى طياته رسالة وطنية قوية.
إن الفنانين مثل فيروز وأم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب ليسوا مجرد موسيقيين ومطربين، بل سفراء لقضايا الوطن. فكل أغنية وطنية أو عاطفية تحمل فى طياتها رسالة للأجيال المقبلة، تحمل بين كلماتها صوتاً يرفض الصمت، ويحث على الأمل والمقاومة. استخدم هؤلاء الفنانون أصواتهم ليعبروا عن وجع الأمة، وعن همومها، وآمالها، وأحلامها فى التحرر والتقدم. يظل الفنانون خير سفراء للأوطان، يحملون بأصواتهم أحلام شعبهم ويعبرون عن معاناته، لتظل أغانيهم خالدة فى ذاكرة الأجيال.
طبعت فيروز بصمة لا تُمحى على مستوى الفن العربى، وتجاوزت حدود وطنها لبنان لتصبح رمزاً عالمياً يعكس عمق الثقافة العربية. تمتعت بمكانة استثنائية، إذ كانت ولا تزال الصوت الذى يروى قصة الأمة العربية بكل فخر واعتزاز. وهى محلياً، تمثل لبنان بكل ما تحمله من جمال وطبيعة وتراث ثقافى. صوتها يرن فى كل زاوية من زوايا الوطن. لم تقتصر على الغناء باللهجة اللبنانية، بل تُعتبر مرجعية للفن العربى من المحيط إلى الخليج.
وتُعد الشراكة بين فيروز والأخوين رحبانى (عاصى ومنصور) أحد أبرز عناصر نجاحها الفنى، إذ قدموا معاً العديد من الأعمال الخالدة التى ساهمت فى إغناء الموسيقى العربية وتوسيع أفقها. كان لهذه الشراكة تأثير كبير فى تطور الأغنية العربية، حيث مزجت بين الأصالة والتجديد، فأسسوا معاً لمرحلة جديدة فى الموسيقى العربية. من خلال هذا التعاون، أصبحت فيروز جزءاً من مشروع ارتبط ارتباطاً وثيقاً بقضايا الأمة.
تحتل فيروز مكانة مرموقة بين كبار الفنانين فى العالم، كانت دائماً حاضرة فى المهرجانات العالمية والمسارح الكبرى، قدمت عروضاً لا تُنسى. صوتها تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، مكانتها الدولية جاءت نتيجة دمجها بين الأصالة العربية والتجديد الموسيقى، والتعبير الصادق عن الإنسان ومعاناته وأحلامه.
تبقى فيروز واحدة من أبرز الرموز فى الذاكرة الثقافية العربية.