نبيل نعيم: "الإرهابي في التسعينات كان بيبيع دهب مراته عشان يشتري سلاح"

نبيل نعيم: "الإرهابي في التسعينات كان بيبيع دهب مراته عشان يشتري سلاح"
على بُعد أمتار من قصر الاتحادية، كان يعيش فى رغد الحياة وسط أسرة تنتمى إلى مستوى اجتماعى عالٍ، وداخل أروقة منزل يطل على أحد أرقى ميادين العاصمة. عشرون عاماً ويزيد، قضاها منعمّاً بين طفولة سعيدة، تلتها دراسة حديثة على الطريقة الفرنسية بمدرسة «ليسيه الحرية» فى مرحلة الصبا، ثم هوس بـ«مزيكا الراب» الأمريكية فى مرحلة ما قبل العشرين، وتردد لا ينقطع على صالات الجيم، لينحت فيها جسده؛ حتى صار مفتولاً.. لا فقراً عرف، ولا جوعاً ذاق، ولا تقشفاً عانى، حتى دقت ساعة 2014، العام الذى شهد تغيُّراً دراماتيكياً فى حياة إسلام يكن «الشاب الروش» المُرفه، الجذاب، الحاصل على مؤهل تعليمى عالٍ، الذى تحوّل دون سابق إنذار إلى أبى سلمة بن يكن «الداعشى» الذى يفتخر بجز الرؤوس، بعد أن انتقل من حى مصر الجديدة إلى معاقل داعش" فى سوريا، ليصبح «دارس القانون» أحد جنود التنظيم الإرهابى.
قصة «إسلام» الذى كان يعيش فى مصر شاباً طبيعياً مثل كثيرين غيره، أو «أبى سلمة» الذى قضى عامه الأخير فى صفوف الإرهاب حتى مات فى عملية انتحارية تحت راية سوداء تشير إلى دولة الخلافة، ليست قصة درامية فى عمل سينمائى أجاد المؤلف حبكته، لكنها دراما الواقع الأكثر خيالاً من دراما الروايات، حقيقة خرجت من واقع تغيّر تماماً، لتعبر بدورها عن ظاهرة تغيّرت هى أيضاً، وتطورت، وازدادت قوتها، وتنامى خطرها، ظاهرة الإرهاب الذى كان يلاحق الدول فى عقود ماضية، ثم عاد يلاحق الدول فى عقدنا الحالى.
«الوطن» ترصد رحلة الـ30 عاماً التى تحول فيها «القط المُطارد» إلى «ديناصور عملاق» يعيث فى الأرض فساداً، رحلة شهدت تغييرات كبيرة على مستوى الثراء والتسليح والخطط والأهداف والدوافع الدينية السياسية والنفسية، اندثر معها نموذج «إرهاب التسعينات» الذى عانت منه مصر، وتصاعد نموذج «الإرهاب الجديد» الذى يعانى منه العالم بأسره.
خلايا متناثرة، فقراء عناصرها، يلجأ أحدهم إلى بيع أثاث منزله لشراء قطعة سلاح يسيل بها دماء أخيه تقرباً إلى الله، ويلجأ آخر لبيع ذهب زوجته، ويلجأ ثالث إلى السرقة وهماً منه بالاستناد إلى القاعدة الفقهية: «الضرورات تبيح المحظورات». مرحلة أولى من الإرهاب لم تعد الآن، بعد أن أمطرت السماء أموالها فى الأعوام الأخيرة على التنظيمات الإرهابية، وصار مشروع تأسيس تنظيم أشبه بتأسيس شركة للاستثمار، وكطريق للدخول إلى «عالم البيزنس».
نبيل نعيم، أحد مؤسسى تنظيم الجهاد سابقاً، أكد أن «العنصر المالى» أهم محاور تطور الإرهاب خلال الثلاثين عاماً الماضية، وتحول خلايا العنف الصغيرة التى كانت لا تشكل تهديداً حقيقياً على وجود الدولة ومؤسساتها، إلى جماعات كبيرة لديها جيش منظم من العناصر القتالية والمدربة، وميزانيات مالية ضخمة تستخدمها فى التجنيد وضمان الولاء والتسليح المتقدم وتنفيذ العمليات الضخمة، فضلاً عن رعاية عناصرها وتيسير الحياة المعيشية لهم، الأمر الذى يعكس التحول الأهم للإرهاب الذى حدث فى الأعوام الخمسة الأخيرة، وهو تحول تلك «الجماعات» إلى ما يشبه «الدول»: «الإرهابى فى التسعينات كان ممكن يبيع بيته أو ذهب زوجته، علشان يشترى حتة سلاح ويهاجم أى ملهى ليلى، أو يحاول اغتيال شخص يعتقد أنه كافر ويحارب الدين، لكن الآن صار الأمر مختلفاً وأكثر خطورة، وبعض الجماعات الإرهابية مثل (داعش) لديها ميزانيات مالية تفوق ميزانيات بعض الدول»، مستطرداً فى سخرية تعكس المفارقة: «الواد التكفيرى زمان كان شحات مش لاقى ياكل، ويصبّر نفسه بالجنة والملذات وحور العين، لكن دلوقتى ممكن يجمع ثروة ويعيش فى وضع أفضل من اللى عايشه، بمجرد إعلان البيعة للأمير والانضمام إلى صفوف المقاتلين».
ثراء الجماعات الإرهابية، أرجعه «نعيم» إلى 3 مصادر مختلفة: «تمويلات تأتى من أجهزة مخابرات خارجية، على رأسها المخابرات الأمريكية، وهذا أسلوب اعتادته إدارة واشنطن، باختلاف الرؤساء منذ وقت طويل، وهو دعم جماعة دينية من المتشددين للقيام بتحركات معينة تخدم فى النهاية المصالح الأمريكية، ثم تنقلب أمريكا على تلك الجماعة وتحاربها، بعد أن تنتهى المصلحة ويتحقق المخطط، وحدث ذلك عندما حاربت (القاعدة) الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان بسلاح أمريكى، ثم بعد سقوط السوفيت، بدأ العداء بين أمريكا و(القاعدة)، والتهديدات بين الطرفين، وصولاً إلى تصفية (بن لادن)، زعيم (القاعدة)، عقب أحداث 11 سبتمبر 2003».
القيادى الجهادى السابق أكد أن الأمر تكرر مع معظم التنظيمات الجهادية، لا سيما «داعش» التنظيم الذى يلعب أدواراً تخدم السياسات الأمريكية فى المنطقة، حسب قوله، لتحقيق ما يسمى بـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد».