وسط البلد بعد التطوير.. «القاهرة الخديوية» تستعيد «جمال الروح»

وسط البلد بعد التطوير.. «القاهرة الخديوية» تستعيد «جمال الروح»
ضحكات صاخبة، وابتسامات رائقة، تعلو وجوه المارة والزوار، ورواد المقاهى على جانبى شارع الألفى الذى تم تطويره مؤخراً مع ميدان أحمد عرابى، شاشات التليفزيون الكبيرة منصوبة أمام المقاهى، وبائعو ألعاب الأطفال يتجولون بحثاً عن الزبائن، واجهات العمارات التاريخية يزينها الطلاء الجديد ذو اللون «البيج»، الإضاءة الخافتة تبرز البعد الجمالى للشرفات المربعة والدائرية، والنوافذ المستطيلة، الأرضيات الرخامية والحجرية تلمع بعد انعكاس أنوار أعمدة الإضاءة عليها، الحركة مستمرة فى الميدان على مدار الليل، لا تعرف التوقف، استعداد بعض المطاعم لتقديم وجبة السحور للزوار يجرى على قدم وساق، الممشى الحديث تحول إلى متنزه ومتنفس لسكان القاهرة الذين يعانون من الازدحام والتلوث والعشوائية.
ميدان أحمد عرابى تطل عليه 5 عمارات تاريخية، ذات طراز معمارى متميز، يقصده الذين يريدون التنزه فى شوارع القاهرة الخديوية ليلاً ونهاراً، فالمنطقة تحفة معمارية رائعة، يظن زائرها للمرة الأولى أنها قطعة من باريس أو لندن، تطوير ميدان أحمد عرابى وشارع الألفى، هو المرحلة الأولى من مشروع تطوير القاهرة الخديوية، حيث تم تركيب أعمدة الإنارة وتم طلاء واجهات العمارات بلون موحد «البيج» مع تحديد بعض البروز باللون البنى، وتم غلق شارع سيد درويش أمام حركة السيارات، الإضاءة والطلاء وتغيير أرضية الممشى والميدان من أبرز علامات التطوير فى المنطقة، فى الشوارع المجاورة لشارع الألفى، «26 يوليو» و«طلعت حرب» يجرى العمل على تغيير أرصفة المشاة لتلائم مراحل التطوير الجديدة فى كل شوارع القاهرة الخديوية، أمام فرع بنك مصر توجد صفحة رخامية تنحدر إلى أسفل موضوعة على قائم أسمنتى مكتوب عليها تاريخ تطوير المنطقة واسم المحافظ ورئيس الوزراء والرئيس عبدالفتاح السيسى، ويجاورها بعض المقاعد الدائرية التى تتسع لأربعة أفراد، وتنتشر هذه المقاعد فى معظم أنحاء الميدان، خاصة فى بداية شارع الألفى.
فى زاوية متسعة من الميدان يجلس اثنان من حى الأزبكية على كراسى خشبية لمراقبة الميدان، وضبط إيقاع حركة المرور فيه بعد افتتاح المرحلة الأولى من التطوير، يتجهان بسرعة نحو أى فرد يمسك كاميرا ويلتقط صوراً بالميدان، ويسألان عن هويته ولماذا يصور، يقول أحدهما، رفض ذكر اسمه، «نحصّل من كل قهوة إيجاراً شهرياً نظير فرش الكراسى على الرصيف تحت بند الصيانة والترميم، لذلك نسمح لهم بترك الكراسى فى الخارج، بعيداً عن المقاعد الجديدة لباقى الجمهور الذى يريد التنزه ليلاً أو نهاراً فى شارع الألفى وميدان أحمد عرابى، نحن نراقب الأوضاع هنا باستمرار ولا نسمح بتوقف السيارات فى الميدان» انتهى كلام أحد العاملين بحى الأزبكية، لكن السيارات كانت متوقفة فى الميدان.
فى بداية شارع سيد درويش المغلق يجلس البرنس الرفاعى 70 سنة، صاحب محل إكسسوارات سيارات، على كرسى خشبى، يتابع عن كثب حركة المارة وزوار الميدان المطور، ويقول بصوت مرتفع «أعيش هنا منذ عام 1955، وبلا شك كانت منطقة معمارية متميزة، أفضل من اليوم لعدة أسباب، أولاً قلة عدد المواطنين والسيارات، واهتمام السكان بالآثار، والمبانى التاريخية والحفاظ عليها، كما أن نسبة التلوث كانت قليلة جداً، عكس ما يحدث اليوم حيث تتأثر واجهات العمارات بالغبار وعوادم السيارات، وبالتالى لا ينفع دهان الحوائط الخارجية لأنها تعود إلى طبيعتها بعد فترة قصيرة جداً، الحكومة اهتمت بدهان العمارة من الخارج، ولم تلتفت إليها من الداخل، ولم تقم بعمل صيانة للصرف الصحى ومياه الشرب بها».[FirstQuote]
يضيف البرنس قائلاً «شهدت مرور التروماى من شارع الألفى ولا تزال بعض القوائم الحديدية الخاصة به موجودة على بعض العمارات حتى الآن، التطوير رائع وأضفى لمسة جمالية كبيرة على جزء مهم من القاهرة الخديوية، حيث تحول شارع الألفى إلى ممشى ممنوع دخول السيارات فيه، مع أنه ممنوع سير السيارات فيه منذ بداية ثمانينات القرن الماضى، لكن الجديد فى التطوير هو إغلاق شارع سيد درويش أمام حركة السيارات، وتمت تعلية أرضية شارع أحمد عرابى بالأحجار والجرانيت، كما تم تركيب أعمدة الإنارة، وتبليط أرضية الشارع بالخرسانة وإنشاء مقاعد دائرية بوسط الميدان، لكن المشكلة الوحيدة التى تواجه أصحاب محال سيد درويش، امتداد شارع الألفى ناحية سوق التوفيقية، هو إغلاق الشارع أمام حركة السيارات، مع أنه شارع غير سياحى، ويعتمد على حركة البيع والتجارة لذلك اشتكى الكثير من هؤلاء إلى المحافظ الذى وعدهم بفتح الشارع أمام حركة السيارات».
يتابع البرنس قائلاً «لو انت جاى تشترى حاجة وانت راكب عربيتك مش هتعرف توقفها وهتمشى على طول وهتشترى قطع الغيار واللى انت عاوزه من أى مكان تانى».
يشير البرنس إلى العمارات المطلة على ميدان أحمد عرابى ويقول «تتميز هذه العمارات بطراز معمارى رائع، وعمر بعضها يزيد على 150 عاماً، مثل عمارة اليهود التى اشتراها أحد رجال الأعمال المصريين وكان يريد هدمها لإنشاء برج، وهو ما دفعه إلى إضرام النيران فيها فى عام 2007 لكنها لم تتأثر رغم اشتعال النيران بها لمدة 12 ساعة كاملة، «كمر» الحديد الذى يحمل السقف سميك جداً، ويصل سمكه إلى أكثر من 30 سم، لذلك لم تتأثر العمارة بالحريق، أو انعدام صيانة الصرف الصحى، وعلى يمين شارع أحمد عرابى وأعلى فرع بنك مصر، توجد عمارة الغمرى، ويقابلها من شارع سيد درويش عمارة شركة مصر للبترول، وفى الناحية الأخرى من الميدان تقع عمارتا شركة مصر للتأمين، اللتان تتميزان بالشرفات الدائرية ويواجههما بشارع الألفى عمارة اليهود، التى دخلت الآن فى حيز الآثار المصرية، كل هذه العمارات تتميز بالأشكال الفنية المعمارية الرائعة مثل باقى أحياء القاهرة الخديوية التى يعملون على تطويرها الآن».
يلتقط منه أطراف الحديث طه محمد نور، 52 سنة، ويقول «شارع الألفى وميدان أحمد عرابى يمثلان لنا الكثير، هما بالنسبة لنا تاريخ نعلمه لأبنائنا، وهم يدركون ذلك جيداً ويعلمون أنهم يوجدون فى منطقة تاريخية مهمة، وهم سعداء جداً بالتطوير لأن المنطقة أصبحت أفضل من الأول بكثير على الرغم من غلق الشارع والتضييق على الناس فى الرزق».
محمد سعيد، صاحب مقهى بشارع الألفى، يقول «حركة الإقبال على الشارع والميدان والمقاهى كما هى لم تزد أو تنقص بعد افتتاح الشارع والانتهاء من التطوير، نحرص على تنظيف الشارع بعد أذان الفجر يومياً، لما يكون المكان نضيف احنا هنحافظ عليه، عشان ده مكان أكل عيشنا، الممشى الجديد وأعمدة الإنارة والدهانات الخارجية للعمارات تميز المكان الآن وتبهر رواد المقاهى، وهم يشعرون أنهم يجلسون فى مكان تاريخى بقلب العواصم الأوروبية»، وأكد أنه «لا يقوم بدفع إيجار للكراسى التى يقوم بوضعها أمام المقهى الخاص به تحت أى بند، لكن رسوم الكهرباء والمياه تضاعفت بشكل كبير جداً وأصبح مجموع ما يدفعه شهرياً حوالى 7 آلاف جنيه»، يأمل سعيد فى زيادة الإقبال على الشارع والميدان المطور لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة، فهو يعتبر نفسه محظوظاً لأنه يعمل فى قلب شارع تاريخى ومميز.
وتقول سمر محمد، 27 سنة، من المنيل «أنا أحب جداً زيارة شوارع القاهرة الخديوية والجلوس على مقاهيها بصحبة زملائى، لأنها تمثل ميراثاً مصرياً رائعاً يصعب علينا تعويضه فيما بعد، وأنا سعيدة جداً بأعمال التطوير الأخيرة لأنها تؤكد لى اهتمام الدولة بهذا الجزء الثمين من تاريخنا وتراثنا وآثارنا، والجلوس على أحد المقاهى فى قلب شارع الألفى له مذاق خاص، بسبب المنظر الرائع الذى يحيط بنا من كل جانب، نحن نفخر بتاريخنا ونفخر بهذه الأماكن، لأنه توجد دول كثيرة لا تمتلك مثل هذه الأماكن، وأصبحت الآن من أهم مقاصد السياحة العالمية لكنها بلا روح، العمارات الأثرية الموجودة فى قلب القاهرة لا تقل جمالاً عن التى توجد فى عواصم الدول الغربية، لكن الفرق يتمثل فى اهتمام الدولة والمواطنين بهذا التاريخ وحبهم له والحرص عليه وإجراء الترميمات له باستمرار».
تضيف سمر قائلة «مصر تعج بآلاف القطع والمبانى الأثرية وهى تحتاج فقط إلى دعاية جيدة واهتمام من قبل المواطنين قبل الحكومة، لأنه توجد مناطق فى القاهرة غير مكتشفة وتحتاج إلى تطوير ونظافة، وأدعو الحكومة إلى استكمال باقى أعمال التطوير فى مناطق القاهرة الخديوية وتحويل الكثير من الشوارع بها إلى أماكن لسير المشاة فقط، ومنع دخول السيارات بها مثلما حدث فى شارع الألفى وسيد درويش، مع تشديد الرقابة على أصحاب المقاهى حتى لا يسيئوا معاملة الزبائن والسياح، الذين يحبون الجلوس بالقرب منا للتعرف على أهل البلد بشكل أكبر، لذلك تجد الكثير منهم يسيرون فى شوارع وسط البلد ويدققون النظر فى شكل الشوارع والعمارات ووجوه المواطنين ويمسكون بأيديهم كتباً بها خرائط عن الكثير من شوارع القاهرة القديمة ويحبون التعرف عليها، لكنى للأسف أصاب بالخيبة والحسرة بسبب منظر أكوام القمامة التى تحيط بالآثار من كل جانب، وأكون فى شدة الخجل عند مشاهدتى للسياح وهم يمرون من جانب هذه القمامة المبعثرة فى كل ناحية، كيف سيتحدثون إلى ذويهم عند عودتهم إلى بلادهم وماذا سيقولون عنا».


