عيد القوات الجوية

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

رغم مرور أكثر من نصف قرن على نصر أكتوبر المجيد , إلا أن قصص البطولة وحكايات الأبطال لا تنتهي . وفي يوم 14 أكتوبر من كل عام تحتفل القوات الجوية بعيدها في اليوم الذي دارت فيه معركة المنصورة الجوية التي كانت نصرا مؤزرا للطيران المصري الذي ظلم عندما دمرت الطائرات في فجر 5 يونيو 1967 وهي رابضة على الأرض بدون أن تخوض حربا .

في 14 أكتوبر 1973وقعت معركة المنصورة الجوية التي خلدها عيد القوات الجوية، حين حاولت القوات الجوية الإسرائيلية تدمير القواعد الجوية الرئيسية بدلتا النيل في طنطا والمنصورة والصالحية فتصدت لها الطائرات المصرية.

كان ذلك أكبر هجوم جوي تشنه إسرائيل ضمن سلسلة من الهجمات استهدفت المطارات المصرية بحوالي 120 طائرة وقد انتهت المعركة بفشل الطائرات الإسرائيلية في تحقيق أهدافها من الهجوم وانسحابها .

تصنف معركة المنصورة الجوية ضمن أكبر المعارك الجوية من حيث عدد الطائرات المشاركة وأطولها من حيث الفترة الزمنية المُقدرة بنحو 53 دقيقة. لاحقاً أصبح يوم 14 أكتوبر عيداً سنوياً للقوات الجوية المصرية . لم يكن هجوم يوم 14 أكتوبر الجوي الأول من نوعه فقد سبقه العديد من الهجمات الإسرائيلية يوم 7 و8 و12 أكتوبر على مطاري طنطا والمنصورة لكنها انتهت بالفشل بسبب قوة الدفاع الجوي المصري.

كانت قاعدة المنصورة الوحيدة المجهزة بصواريخ سكود القادرة على الوصول إلى وسط إسرائيل إذا ما نُشرت في بورسعيد وزادت المخاوف الإسرائيلية بسبب التقارير الواردة من أجهزة الاستخبارات الأمريكية حول احتمال نشر رؤوس حربية نووية سوفيتية في مصر في أكتوبر 1973 . لذلك كان على إسرائيل منع نشر هذه الصواريخ سواء كانت مسلحة برؤوس نووية أم لا.

خصصت إسرائيل ثلاثة أسراب من طائرات الفانتوم العاملة في القوات الجوية الإسرائيلية والسرب 107 المتمركز في حتسريم والسرب 119 المتمركز في تل نوف والسرب 201 المتمركز في حتسور بالإضافة إلى بعض طائرات سكاي هوك ونيشر بما بلغ مجموعه من 120 - 160 طائرة إسرائيلية وقد خصص السرب 107 و109 لمهاجمة الهدف الرئيسي ( طنطا ) التي كانت قاعدة طائرات الميج 5 التي اشترتها ليبيا من فرنسا وأعطتها لمصر والتي كانت إسرائيل تخشى من وصولها إلى العمق بداخلها بينما خُصص السرب 201 لفتح الطريق إلى طنطا وذلك بضرب مطار المنصورة المعقل الرئيسي لنخبة أسراب الميج الاعتراضية.

شملت الخطة الإسرائيلية الهجوم عبر ثلاث موجات جوية من اتجاهات مختلفة لكل منها هدف معين

الموجة الأولى: استدراج طائرات الميج المصرية وإبعادها عن المطارات التي تحميها.

الموجة الثانية: ضرب وإسكات الدفاعات الجوية والرادارات المصرية.

الموجة الثالثة: تمثل الموجة الهجومية الرئيسية التي ستضرب المطارات المستهدفة.

رصد الرادار المصري على البحر المتوسط اقتراب 20 طائرة فانتوم تحلق باتجاه الجنوب الغربي من البحر عبر بورسعيد وأبلغت القيادة الجوية، على أثر ذلك أصدر قائد القوات الجوية لواء طيار حسني مبارك أوامره لقائد قاعدة شاوة (المنصورة) لواء طيار أحمد عبد الرحمن نصر بإقلاع 16 طائرة ميج-21 لعمل مظلة جوية لحماية القاعدة دون التقدم نحو الطائرات الإسرائيلية، كان الطيارون المصريون جاهزين بالفعل للاشتباك مع الطائرات الإسرائيلية.

جاء ذلك القرار نتيجة استيعاب التكتيكات الإسرائيلية السابقة التي كانت تعتمد على استدراج الطائرات المصرية إلى مصيدة بحيث تجد الطائرات الاعتراضية نفسها في مواجهة عدد أكبر من طائرات الخصم وفي نفس الوقت الذي تُستدرج فيه الطائرات المصرية بعيداً عن قاعدتها، يُهاجم قسماً آخر من الطائرات الإسرائيلية القاعدة وتقصفها ولذلك ظلت الطائرات الإسرائيلية تحلق في دوائر حتى تأكدت أن الميج لن تهاجمها فعادت صوب البحر.

بعد 15 دقيقة أبلغت وحدات الرادار عن رصد 60 طائرة إسرائيلية قادمة من ثلاث جهات عبر بورسعيد ودمياط وبلطيم وهنا أمر مبارك باعتراضها وإجبارها على التفرق بواسطة 16 طائرة ميج 21 من قاعدة المنصورة و8 طائرات ميج-21 من قاعدة طنطا إضافة إلى 16 طائرة التي تُشكل المظلة الجوية.

بعد ثماني دقائق أُبلغ مجدداً عن موجة إسرائيلية ثانية من 16 طائرة قادمة من البحر على ارتفاع شديد الانخفاض، فأقلعت 8 ميج-21 من المنصورة و8 ميج-21 من مطار أبو حماد لاعتراضها وهنا بدأت المعركة الجوية واحتشدت السماء بالطائرات في دوائر من الاشتباكات الجوية كل طائرة ميج تعقب طائرة فانتوم والعكس.

وقد نجحت بعض الطائرات الإسرائيلية في الوصول إلى مطار المنصورة وقصفت ممراته وبينما كانت هناك معركة دائرة في السماء كانت هناك معركة أخرى تدور على الأرض مع الفنيين والمهندسين المصريين الذين كانوا يحملون القنابل التي لم تنفجر بعيداً عن ممرات المطار وفي نفس الوقت يحاولون إصلاح الممرات المتضررة ويجهزون طائرات الميج بالذخيرة والوقود لتقلع مجدداً نظراً لأن طائرات الميج-21 لا يمكنها البقاء طويلاً في الجو مقارنة بالفانتوم فكان عليها الهبوط للتزود بالوقود ثم الإقلاع مجدداً.

وفشلت إسرائيل في إخراج مطار المنصورة من المعركة وإن كان قد تعطل لبعض الوقت.

عندما خسرت القوات الجوية المصرية معظم طائراتها على الأرض عقب حرب 67، ضمن غارة استباقية إسرائيلية، شيد الجيش المصري 500 دشمة إسمنتية حصينة في 20 قاعدة جوية رئيسية لمنع الطائرات المصرية من التدمير على الأرض في الحرب القادمة.

كان لذلك أثره لاحقاً خلال الهجمات الجوية الإسرائيلية على المطارات في حرب أكتوبر فلم تتأثر الطائرات بداخل الدشم بفعل القنابل الإسرائيلية وفشلت الهجمات في ضرب الطائرات المصرية على الأرض كما حدث في 67 وهو ما كان يخشاه المصريون كذلك فشلت الهجمات الإسرائيلية في تحييد الطيران المصري من الاشتباك الجوي ومنعه من مساندة القوات البرية المصرية طوال فترة الحرب ومهاجمة القوات والمواقع الإسرائيلية.

قبل المعركة، قامت القيادة المصرية بتخطيط دقيق لصد الهجمات الإسرائيلية.

تم تجهيز الطيارين وتجهيزهم للمواجهة، مع التركيز على استخدام التكتيكات الجديدة التي تهدف إلى توجيه ضربة قوية لطائرات العدو.

ومن خلال استخدام المراقبة والرصد الجيد، تمكنت القوات الجوية المصرية من تأمين سماء المنصورة والتركيز على الطائرات الإسرائيلية في اللحظات الحرجة.

في قلب المعركة، استطاعت الطائرات المصرية أن تتفوق على الطائرات الإسرائيلية.

الهجمات المنسقة والطيران الاستراتيجي المدروسة أدت إلى تحقيق نتائج إيجابية كبيرة، حيث أسقطت الطائرات المصرية العديد من الطائرات الإسرائيلية.

أظهرت هذه النتائج قدرة الطيارين المصريين على مواجهة العدو بطريقة احترافية وشجاعة، مما أعطى دافعًا قويًا للجبهة العسكرية.

تعتبر معركة الطيران فوق مدينة المنصورة التي وقعت في 14 أكتوبر 1973 من أبرز الأحداث الاستراتيجية خلال حرب أكتوبر، حيث شكلت هذه المعركة علامة فارقة في الأداء الجوي المصري واعتبرت تجربة جديدة للطيارين المصريين.

لم تكن المعركة مجرد مواجهة عسكرية، بل جسدت روح الإصرار والعزيمة التي ميزت القوات المسلحة المصرية في تلك الفترة.