الأنبياء.. والنساء
كان نبي الله داود محل استدعاء فى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك فى لحظة أخذ اليهود يتقولون فيها على النبي ويرددون: «انظروا إلى هذا الذى لا يشبع من الطعام ولا والله ما له همة إلا إلى النساء.. لو كان نبياً ما رغب فى النساء»، وكان زعيمهم حيي بن أخطب أكثر من يلوك بلسانه هذا الكلام.
وبالطبع كان فى استدعاء نبي الله داود وكذلك نبيه سليمان بن داود، عليهما السلام، خير وسيلة للرد على اليهود، فيما يتعلق بمسألة النساء.
فقد كانت فتنة نبي الله داود وابتلاؤه الذى ابتلاه الله تعالى به فى امرأة قائده العسكري «أوريا»، كما حكيت لك، لقد دفع به إلى مواقع القتل فى المعارك حتى يتخلص منه، ويتزوج من امرأته التي شده جمالها، فى لحظة أراد الله تعالى فيها أن يمتحنه.
ومن امرأة «أوريا» أنجب «داود» ولده «سليمان» الذى ورث منه ملك بنى إسرائيل.
لقد قرر «داود» الزواج بامرأة «أوريا»، فى وقت كان له من الزوجات 99 زوجة، وكانت له غيرة شديدة على نسائه، وكان حين يخرج يغلق عليهن الأبواب، ولا يستطيع أي رجل غريب أن يدخل عليهن، ولا تفتح أبواب بيته من جديد إلا حين يرجع.
لم يكن استدعاء نبي الله داود فى سياق الرد على اليهود يستهدف شيئاً سوى الشرح والتفسير، وإفهامهم أن النبوة لا تتناقض مع متطلبات الحياة، فأنبياء الله تعالى بشر، لهم كل احتياجات البشر، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان أقل طلباً للزواج بكثير من داود وسليمان، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعيش سياقه الذى يقبل بالزواج من آحاد من النساء، كما شرع الخالق العظيم، وعاش داود وسليمان سياقهما وتشريع الله لهما بالسماح بالزواج من عشرات بل بمئات النساء.
كان للرقم 100 دلالة خاصة فى تجربة نبي الله داود عليه السلام، فقد تزوج من 100 امرأة، كان آخرهن امرأة «أوريا» التي ولدت له النبي سليمان، وعاش فوق ظهر الحياة 100 سنة، توفى بعدها فجأة، كما يشير «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»، دون أن يشير إلى ما يقصده بمعنى الفجأة، وهل يعنى به الموت غير المسبوق بمرض، أو أنه مات فى عمر قصير بمقاييس زمانه؟
أياً كان الأمر فقد مات «داود» بعد رحلة طويلة قضاها مع بنى إسرائيل، مات الرجل الذى أنصتت الطبيعة والطير والإنسان لتلاوته لـ«الزبور» وسبَّح معه الطيور والجبال، ولما مات شيعه بنو إسرائيل وحزنوا عليه أشد الحزن، بل لقد حزنت على «داود» مخلوقات الله من غير بنى الإنسان، وتشير الأحاديث إلى أن سحابات الطيور كانت تظلل جنازته، جنازة الرجل الذى كانت تقف فوق الشجر لتستمع إلى تلاوته، عليه وعلى نبينا السلام.