فلتسقط «جروبات الماميز».. وتحيا حرية الأمهات (3)
«مجتمع الأمهات بقى قاسي جدا في جروبات الماميز..مش بس الأمهات على أولادها.. لكن الأمهات على بعضها البعض»
كنا نتحدث عن سلوكيات الأمهات في «جروبات الماميز» فوجدتها بصوت يملؤه الشجن ممزوجا بحكمة، تلخص الحديث كله بهذه الكلمات، هي «ميس منى» المدرسة المسؤولة عن تعليم الأطفال القراءة باللغة الإنجليزية، حصلت على أكثر من دبلومة في مجال «parenting» أو باللغة العربية «الوالدية» وبلغة أقرب للفهم تربية الأطفال وتوجيههم كمحاولة لتطوير أدائها، وهذه الدراسة جعلتها أكثر فهما لطبيعة سلوك المجتمع الدراسي وجعلها تطلق تلك الكلمات.
....
ولكن هل حقا جروبات الماميز أصبحت قاسية.. وكيف ذلك؟.. أليس ما تربينا عليه هو أنّ الأمهات هن ملاذ الحب والحنان في هذا العالم القاسي؟.
الإجابة نعم، تصنع جروبات الماميز أحيانا مفهوم «القسوة» بشكل غير مقصود، ويتم تصديره للمجتمع على أنّه شيء طبيعي، يحدث ذلك عندما تضع كل أم أمام عينيها هدف وحيد أن تحظى بلقب «أفضل أم»، دقيقة واحدة! ومن يكره الحصول على لقب كهذا؟ فكل أمهات العالم يسعين إليه ويبذلن في سبيله حياتهن، لكن الحقيقة أنّ أساليب الأمهات للحصول على هذا اللقب هي الفيصل، وهي السبب في أن تلك «الجروبات» في أحيان كثيرة أصبحت ملاذ القسوة.
ففي سبيل أن تحصل بعض الأمهات على لقب «أفضل.. أذكى.. أقوى.. أشجع.. أهم» أم، تقسو على نفسها وأبنائها، -وهنا لا تعميم على كل الأمهات-، أما كيف تقسو الأم على أبنائها؟! بشيء واحد فقط تغذية طفلها بأنه يجب أن يكون الأفضل في كل شيء وأي شيء، ثم ماذا؟! لا تكتفي الأم بذلك بل تبدأ في حماية المنتج الذي تصنعه وهو هنا الطفل المسكين، فتبدأ في محاربة كل من يحاول تغيير هذا المنتج، أو التأثير فيه أو خلق مساحة فكرية مشتركة معه قد تبدو مختلفة بعض الشيء عما وضعته في منتجها عذرا «طفلها».
وتنتقل مرحلة القسوة في صنع طفل مشوه بلا روح، بلا أي تجارب إنسانية مختلفة، تخلق شخصية حقيقية قادرة على التأثير في المجتمع ومواجهة تحدياته، إلى القسوة على الأطفال الآخرين أو المنتجات الأخرى التي لديها خلفية فكرية وإنسانية مختلفة لأنها قد تؤثر على المنتج المصنوع «الطفل» وبالتالي لن تحظى الأم باللقب المنشود «أفضل أم».
فإذا كان الطفل الآخر مختلفا بعض الشيء في بيئته، في ثقافته، في أفكاره، في سلوكياته، يجب الابتعاد عنه تماما، وهنا تنتقل من مرحلة «يجب أن تكون الأفضل في كل شيء.. لا تتعامل مع الطفل ذاك.. تجنبه».
وقد يصل الأمر إلى تحذير الأمهات الآخرين منه، وتشكيل لوبي صريح من بقية الأمهات لمنع انتشار أفكار هذا المنتج المختلف وحصاره حتى تتلف أفكاره، وفي الحقيقة هذا المنتج طفل ما زال في طور التكوين ولديه مشاعر وروح حساسة، وتلف أفكاره يعني تلف شخصيته وإفسادها، لا تنظر بعض الأمهات للإفساد الذي تصنعه في الأطفال الآخرين، ولسان حالها «المهم المنتج الذي أصنعه أنا.. وأليس الغاية سامية هو أن أصبح أفضل أم؟!».
...
«مجموعة من الأمهات اتفقوا سويا واخبروا أبنائهم في الفصل تجنب اللعب مع طفلة معينة بسبب أنها طفلة حركية، وكادت الطفلة صاحبة الـ10 سنوات تصاب بحالة نفسية مرضية، حيث كانت تبكي يوميا، وبدأ مستواها الدراسي ينخفض، فتدخلنا نحن المدرسات سويا وبدأنا نشرك الطفلة في اللعب معهم، رافضين أسلوب الأمهات السابق، وكانت النتيجة عودة الثقة لتلك الطفلة في نفسها، وبدأت تتواصل جيدا مع زملائها».. حكاية من ضمن الحكايات «جروبات الماميز» ترويها مدرسة بنفسها عما يحدث في تلك الجروبات.
ففي «جروبات الماميز» تظهر القسوة عندما تضع بعض الأمهات مقاييس وشروط ضرورية من وجهة نظرهن للتواصل والتفاعل بين الأبناء في الفصل أو المدرسة ككل، تلك المقاييس التي يعتقدن أنّها تحمي أبنائهن، لكن هل هذا صحيح هل ستحمي الأم ابنها على حساب غيره من الأطفال الآخرين؟.. هل الأم يمكنها أن تحمي ابنها أو ابنتها من خلال تشويه الأطفال الآخرين وتدمير نفسياتهم واستبعادهم؟! هل يمكن للأمهات حماية أبنائهن من خلال الاجتماع سويا في تلك «الجروبات» ثم يقررن رمزيا رجم طفل ما بعيوب ونعوت قبيحة أو مسيئة، ثم شنق صورته العامة أمام باقي الأمهات بل وأحيانا التمثيل بصورته حتى يتوارى عن الأنظار ولا يُسمع صوت هذا الأخرق أو الخرقاء مجددا فقط لكونه مختلف بل ويمكن أيضا رجم والدته؟!.
الإجابة لا وألف لا، بل تكون النتيجة مرعبة وتتمثل في تسرب تلك الأفكار إلى الأبناء من طلبة المدارس والطالبات رويدا رويدا، هم الصغار الذين ما زالت عقولهم في طور التشكيل، فيصبحون مرآة لتلك الجروبات من حيث انتشار عدم تقبل الاختلاف سواء مستوى فكري، اجتماعي، ثقافي، بل أحيانا جسدي، وظهور قيم الأنانية والتشفي، عدم الشعور بالآخرين، غياب ثقافة الاحترام تجاه الصغير أو الكبير، حب الظهور الأعمي، تحقيق النجاح بأي طريقة حتى لو كانت غير شريفة، تكوين مجموعات «لوبي» بين الطلبة على غرار جروبات الماميز، هدفها إثارة الأحقاد والضغائن عمن يختلف عنهم أو من حاول تصحيح وجهة نظرهم أو تخطاهم أو تفوق عنهم سواء نفسيا أو حتى جسديا.
وهنا يتحول هذا المشهد المدرسي الصغير إلى مشهد جمعي كابوسي ينعكس على المجتمع وطبيعته، فننتج رجالا ونساء تلك هي أفكارهم وسلوكياتهم وقيمهم، رجالا ونساء ننتظر منهم صناعة المستقبل والتغيير.
بعد كل هذا يبقى السؤال ما هو الحل؟
الحل في إجابة واحدة قالها جبران خليل جبران: «أبناءكم ليسوا لكم.. بل أبناء الحياة»، وهو ما سنتحدث عنه باستفاضة في مقال آخر.