إلى أحمد أمين.. لن نذكر اسمك!

رحاب لؤي

رحاب لؤي

كاتب صحفي

أتمنى أن يسامحنى على ما سوف أذكره الآن، ولكننى كنت شاهدة على موقف لا أنساه، حين كان الفنان -المفضل لدى- أحمد أمين يسير فى أحد الشوارع، بمنطقة دار السلام الشعبية، فاستوقفه أحد المارة غير مصدق عينيه، حاول أن يتأكد إن كان هو فعلًا أحمد أمين، فأشار بيده فيما معناه «أنت فعلاً؟»، فابتسم «أمين» وقال: نعم أنا، قبل أن يطلب الرجل التقاط صورة بصحبته.

لكن «أمين» فاجأ الرجل ووجّه له سؤالًا وشرطًا فى الوقت نفسه: «تعرف اسمى؟ لو قلت اسمى هتصوّر معاك»، فاضطرب الرجل، لكن «أمين» ضحك بلطف وعاجله بالتقاط الصورة المطلوبة، والتى أثق أن الرجل سوف يحتفظ بها لوقت طويل مدللًا بها على محبته لرجل صادفه مرة فعامله بلطف ومضى، ربما كان بداخل «أمين» غصة أن الرجل لم يحفظ اسمه بعد، أو ربما عذر الرجل ولم يهتم، سواء كانت هذه أو تلك فأنا لدىّ ما أقوله فى هذا الشأن.

لا يسألنى أطفالى عن اسم ذلك الرجل الذى يضحكهم من قلبهم كلما أعيد عرض المسلسل الأيقونة فى الكوميديا «الوصية»، لكنهم صاروا الآن يشيرون تجاهه ببهجة كلما ظهر على الشاشة، لا حاجة لهم ليسألوا عن «الاسم» فـ«الفعل» أكثر بلاغة، ومكانة «أمين» فى قلوب الأطفال تزداد يوماً بعد يوم، وهى المكانة التى يواصل استثماره فيها سواء بأدوار فنية أو مجتمعية، وإنسانية، فهى موجهة أولاً وأخيراً للأطفال، آخرها جهده الواضح فى مهرجان «نبتة» الذى يقام تحت مظلة مهرجان العلمين.. أتخيل مدى بهجة الصغار حين يرونه، الضحكات التى ترتسم على الوجوه حين يمازحهم ويحدثهم وينخفض بسنوات عمره، ليصير نداً لصغير يبلغ ثلاث سنوات أو ربما خمساً.. «أمين» يجيد ذلك إلى حد بعيد.

لطالما شغلنى تساؤل: لماذا ننسى المواقف والأسماء وربما الناس، ولا يبقى لنا منهم سوى المشاعر الصادقة التى ترسخت فى قلوبنا تجاههم، أنا لا أذكر حقاً ما كان يدور بينى وبين معلمة الرياضيات، فى الصف الرابع الابتدائى، أتذكر اسمها وشكلها، ولكنى أعرف أيضاً أن معدتى تتقلص كلما تذكرتها بسبب صرخاتها وتخويفها المتواصل لنا بعصاها الغليظة، فى المقابل، نسيت وجه واسم المعلمة التى حكت لى فى الصف الثانى الابتدائى لأول مرة فى حياتى قصة الشاطر حسن، لكننى ما زلت أذكر سعادتى وحماسى لـ«الحدوتة»، أذكر كيف ذهبت يومها إلى أمى لأعيد القصة كاملة، أول قصة أسمعها فى حياتى بهذا الإتقان والحب، حسناً، صحيح أنى لا أذكر اسمها ولا شكلها، ولا هى سوف تذكرنى بأى حال، مجرد طفلة بين أطفال كثيرين لكنى أذكر ابتسامتها ولطفها وحبها الكبير، أذكر «الأثر» الذى تركته بقلبى، واكتشافى يومها، كم أحب القصص والحكايات، حتى صرت أكتبها.

ربما لم يذكر الرجل اسمك يا «أمين»، لكن الابتسامة العريضة والصادقة التى ارتسمت على وجهه كانت كفيلة بأن تخبرك كم يحبك هذا الرجل، تخبرك عن «الأثر» الذى تركته وتواصل تركه باختياراتك المتقنة جداً، ربما لو كنت تقدم ثلاثة أو أربعة أعمال فى العام الواحد لذكرك بسرعة، أو ربما لو كنت ارتكبت حماقة كبرى، كان سيتذكر اسمك على الفور!

قد أكون أذيع سراً، إذا ما ذكرت كم المشاريع التى بدأها أحمد أمين ولم يستكملها، فقط لأنه لم يلمس منها «قيمة» حقيقية، فالمسألة بالنسبة له «كيف» وليس «كم» ليس المهم حقاً فى كم عمل ظهر، وفى كم مشروع شارك، ولكن الأهم بالنسبة لهذا الرجل دمث الخلق، كيف أثّر، وماذا ترك حقاً؟ ربما لن نذكر اسمك كثيراً، فى الأعوام القليلة القادمة، لكن أبناء هذا الجيل سيذكرونه لقرون قادمة، فأنت تسير بتؤدة وعلى مهل، تبنى بإتقان، بناء جميل بنوايا طيبة وقلب محب، لذا سوف أستعير تلك الجملة من فيلم الكارتون الشهير Meet the robinsons، لأقول لك على لسان البطل الصغير ووالده: «واصل عملك دوماً» أنت والصغار تستحقون ذلك الأثر العظيم المنتظر.