المهندس محمد مغربي يكتب.. مستقبل الحروب السيبرانية (2)

المهندس محمد مغربي يكتب.. مستقبل الحروب السيبرانية (2)
في الجزء الأول من هذا المقال، تحدثنا عن مستقبل الحروب السيبرانية، وكيف استبقت الصين الجميع في وضع استراتيجية مكّنتها من التفوق في مجال تقديم خدمات 5G، واليوم نستكمل ما ترتب على هذا التفوق.
وفي البداية، فإنّ تفوق بكين مكّنها من أخذ مكانة مرموقة عالميًا، ومن خلال شركات مثل هواوي وزد تي إي، بدأ تقديم خدمات 5G إلى عدة دول، كان منهم المملكة المتحدة قبل أن تقرر حظر الشركة الصينية نهائيا في 2020، وكذلك ألمانيا التي ما زالت تتعامل مع الصين في هذا القطاع، إضافة إلى مشغلي الاتصالات في إسبانيا مثل Telefónica، إذ استخدموا معدات هواوي، وكذلك شركات الاتصالات في إيطاليا مثل TIM وVodafone Italy.
التفوق الصيني لم يتوقف عند القارة الأوروبية، بل شمل روسيا التي تعاونت بشكل كبير مع هواوي لتطوير شبكات 5G، وكذلك الحال مع الهند رغم التوترات السياسية، لكن بعض الشركات الهندية استخدمت معدات هواوي في شبكات 4G و5G، وانضم إلى القائمة ماليزيا بشركات اتصالات مثل Maxis وDigi، والفلبين أيضًا.
وأفريقيًا، كانت جنوب إفريقيا حاضرة بشركات مثل MTN وRain استخدمت معدات هواوي في شبكاتها، وأيضًا كينيا التي تعاونت مع هواوي لتطوير البنية التحتية لشبكات الاتصالات.
وشملت القائمة أمريكا اللاتينية من خلال دول مثل البرازيل والمكسيك، وفي منطقة الشرق الأوسط، كان هناك الإمارات والسعودية، وجميعهم تعاونوا مع هواوي في بناء شبكات 5G
وعلى الجانب الآخر، وبعين الريبة، لم تكن أمريكا مستريحة لذلك التفوق الصيني الذي صار بصمته واضحة في مختلف أنحاء العالم، وهو تخوف كان له أسبابه التي أبرزها:
1- المخاوف الأمنية، إذ إنّ معدات هواوي قد تكون مُعدّة للتجسس لصالح الحكومة الصينية، رغم نفي الشركة لهذه الادعاءات.
2- السيطرة على البنية التحتية، إذ إنّ وجود مكونات صينية في البنية التحتية الحيوية للاتصالات يُنظر إليه كتهديد للأمن القومي، حيث يمكن أن يتم استغلالها في حال حدوث نزاعات دولية.
3- الهيمنة التكنولوجية، إذ إنّ هيمنة الصين على تكنولوجيا 5G ستمنحها نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا على المستوى العالمي.
4- حماية الصناعات المحلية، فالولايات المتحدة الأمريكية سعت لتعزيز الشركات المحلية والتقليل من الاعتماد على التكنولوجيا الصينية.
كل تلك الأسباب، دفعت واشنطن في النهاية إلى قيادة حملة عالمية ضد استخدام معدات هواوي وزد تي إي في شبكات 5G، مثيرة كل تلك المخاوف ما جعل دول كثيرة تعيد النظر، خاصة حلفاء أمريكا الذين استجابوا لتلك الضعوط، فقررت المملكة المتحدة حظر هواوي من شبكات 5G في عام 2020، كذلك أستراليا، واليابان ونيوزيلندا، وكندا.
تحرك أمريكا الذي يزيد الصراع الشرس مع الصين، لم يكن من فراغ، في ظل تأثير الحروب السيبرانية الشرسة على اقتصاد الدول، والتي يُمكن تلخيصها في التالي:
1- الخسائر المالية، والممثلة في قدرة الهجمات السيبرانية على سرقة الأموال من البنوك والمؤسسات المالية، إضافة إلى أنّ تعطّل الأعمال أو هجمات الفدية (ransomware) تُكبد مليارات الدولارات.
2- التكاليف الإضافية، والمقصود بها الاستثمار في الامن السيبراني، بعد أن أصبح ضرورة حتمية للحماية من أي هجمات، ناهيك عن التكلفة في التعافي والإصلاح في حالة حدوث أي أزمة.
3- الثقة والسوق، فالهجمات السيبرانية يُمكن أن تؤدي إلى فقدان الثقة بين المستثمرين والعملاء، ما يؤثر على أداء الشركات في السوق، كما يُمكنها إحداث تقلبات كبيرة في الأسواق المالية، ما يؤثر على الاقتصاد الكلي.
4- تهديد البنية التحتية الحيوية، وتشمل قائمة التأثير أيضًا، إمكانية أن تؤدي تلك الهجمات إلى انقطاعات في الخدمات الأساسية مثل شبكات الكهرباء والمرافق، أو تعطل أنظمة النقل وسلاسل الإمداد.
وإذا كان هذا تأثير الحروب السيبرانية الاقتصادية، فتأثيرها السياسي ليس أقل خطورة، بل ويمكنها أن تتلاعب بمصير دول وشعوب، وفي النقاط التالية أمثلة على ذلك.
1- التلاعب بالانتخابات، من خلال نشر معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى للتأثير على آراء الناخبين.
2- التلاعب بالبيانات، الهجمات يمكن أن تستهدف قواعد بيانات الناخبين أو أنظمة التصويت الإلكترونية، ما يثير مخاوف بشأن نزاهة الانتخابات.
3- تعرض الانتخابات لهجمات سيبرانية يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، ما يمكن أن يثير الشكوك والاضطرابات السياسية.
4- الهجمات السيبرانية يمكن أن تؤدي إلى التشكيك في نتائج الانتخابات، ما يعقد الانتقال السلمي للسلطة.
5- التأثير على الحملات الانتخابية من خلال اختراق البريد الإلكتروني، وهو ما حدث في الانتخابات الأمريكية 2016، حين تم اختراق البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي، ونشر معلومات حساسة أثرت على الحملة، كما تكرر ذلك عام 2017 في فرنسا حين تعرضت حملة إيمانويل ماكرون لهجمات سيبرانية، بما في ذلك اختراق البريد الإلكتروني ونشر معلومات مزيفة لتشويه السمعة قبل الجولة الثانية من الانتخابات.
هذا بعض من تأثير الحروب السيبرانية اقتصاديًا وسياسيًا، وفي وسط الصراع العالمي ورغبة الدول في حجز مقدعدها، فلا مفر من نشوبها بين الحين والآخر، تماما كما كان السعي للحصول على القنبلة النووية هو ميدان تنافس استغرق أكثر من 10 سنوات حتى باتت الدول الكبرى على الأقل تملكه، وتحفظ به أمن هذا الكوكب الذي يشهد كل يوم جديد.
لقراءة المقال السابق اضغط هنـــــــــا.