«قولي لهم حراجي بتاعكم راح».. كيف وثق الأبنودي ملحمة بناء السد العالي؟

كتب: أمنية سعيد

«قولي لهم حراجي بتاعكم راح».. كيف وثق الأبنودي ملحمة بناء السد العالي؟

«قولي لهم حراجي بتاعكم راح».. كيف وثق الأبنودي ملحمة بناء السد العالي؟

يجلس حراجي القط وحيدًا بين الأعمال الإنشائية للسد العالي على صخرة ملساء، لتغطي أشعة الشمس المتبقية من النهار الطويل وجهه، بينما يمسك بقلمه البوص ويبدأ بكتابة رسالة لزوجته فاطنة التي يفصل بينه وبينها نحو 655 كيلومترًا، بعدما يضع القلم في الدواية على أرض رملية بجانبه، ويبدأ الكتابة بخط غجريّ: «الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، زوجتنا فاطنة أحمد عبدالغفار، يوصل ويسلم ليها في منزلنا الكاين في جبلاية الفار»، وهي الكلمات التي افتتح بها الخال عبدالرحمن الأبنودي، ديوانه الشهير «جوابات حراجي القط» ليوثق مشروع السد العالي.

عبدالرحمن الأبنودي يروي ملحمة السد العالي

حبكة معقدة لعبد الرحمن الأبنودي، جسد خلالها «الأسطى حراجي» وزوجته «فاطنة» المرأة الريفية البسيطة التي لم تكن بحال من الأحوال أقل شغفا به في 15 رسالة متبادلة، فظهرت للنور للمرة الأولى عام 1969، لتروي قصة بناء السد، الذي تحل علينا اليوم الذي يوافق 21 يوليو ذكرى انتهاء العمل من إنشائه، وتعيد الحق للعمال الذين أهملت ذكراهم في كل الملحمات التي ذكرت السد العالي، إذ أشار «الأبنودي» في حديث سابق مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامج العاشرة مساءً أنّ «حراجي» شخصية حقيقة كان يلعب معه في القرية منذ الصغر، واشتقّها الخال في جواباته ليروي على لسانه الكثير من الملامح عن حياة الريف المصري في أوجهها المختلفة.

كان حراجي القط في جوابات «الأبنودي» عاملا بسيطا من عمال السد العالي، لم يسبق له استقلال قطار طوال حياته إلا عندما توجّه إلى أسوان، فـ لجأ إلى هذه الجوابات حتى يصف لزوجته معاناته مع الغربة والشوق لأهل قريته التي يرحل عنها لأول مرة، ويُصدر له بطاقة هوية لينضم إلى عمال التراحيل في بناء السد، يقول الخال: «بقى أول ما دلقنا يا فاطنة بابور السد على محطة أسوان..أنا والجدعان.. حسيت بالدوخة.. مش أول مرة أسيب جبلاية الفار.. رحنا المكتب.. طلعنا البطاقات.. ومضينا على الورقات.. آه يا فطاني لو شفتي الرجالة هنه.. قولي ميات..ألوفات.. بحر من ولاد الناس.. اللي من درجا واللي من البتانون.. واللي من أصفون والتل.. جدعان زي عيدان الزان سايبين الأهل.. وتطلي في عين الواحد يا ولداه على الغربة».

سنوات من العمل الشاق لعمال السد بين الحفر أو النحت أو حمل الصخور، أو تفجير الجبال بالديناميت، فإلى جانب عمال التراحيل الذي كان «حراجي» تجسيدًا لهم، كان هناك المقاولون والمهندسون والخبراء الروس وطلبة الدبلومات الفنية، حتى أنّ «الأبنودي» وصفه في جواباته بأنّه «غول لا يشبع من عرق الرجال»، ويقول: «هو ترك السد يا فاطنة ده بالكيف؟.. إنتي لسه فاكراني هنا في أسوان غريب على الحتة وضيف؟.. قولي لهم حراجي بتاعكم راح.. حراجي بتاع أسوان بلده.. في أسوان إتربى في الأنفاق.. عرقي مبدور في الصخر مبدور في الدفا والشمس.. قولي يا فاطنة قاعد يراعيه.. كيف ابني بيت وما سكنشي فيه؟».

ذكرى الانتهاء من أعمال إنشاء السد العالي

وللمرة الأولى، واجه عمال السد العالي آلات حديثة ضخمة مثل آلات التخريم والكراكات فكانت بمثابة اختراعًا مدهشًا لم يروا مثله من قبل، فيشعر «حراجي القط» بالجهل أمامها قبل أن يتفوق عليها ويُطوعها تحت يديه وكأنه انتصر على الطبيعة، حتى تغيرت نظرته للحياة في جبلاية الفار في مناحٍ عدة، يقول الخال: «إحنا طلعنا نلاقي صغارنا تعيد الشورة على كبارنا.. لو نستعقل حد غريب ونبوح له بالمواجع.. نبقي في عين كباراتنا يا فاطنة.. زي اللي كسروا صندوق الجامع».

ويُضيف عبدالرحمن الأبنودي: «ده أنا ساعات بأحدت نفسي وأقول.. يكونشي السد ده عاملينه عشاني؟.. عشان يا حراجي تعرف قيمتك وتفتح على الكون والناس.. رغم المر اللي بتشربه فيه؟».

وتحل علينا اليوم الذي يوافق 21 يوليو ذكرى انتهاء العمل من إنشاء السد العالي أعظم مشروع في القرن العشرين، إذ استمرت مراحل البناء والإنشاء 11 عامًا، و جرى اختيار يوم 15 يناير 1971 للاحتفال بافتتاح السد العالي فى عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.


مواضيع متعلقة