د. عبدالواحد النبوي يكتب: الثقافة في المناطق الحدودية.. المخاطر والدور وما يجب أن يكون
![عبدالواحد النبوي](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/14819549021721145408.jpg)
عبدالواحد النبوي
عندما علت موجة الاستعمار فى العالم، وزاد وهجها، وبدأت مرحلة الأفول مع ظهور حركات التحرر الوطنى فى نهايات القرن التاسع عشر تتبلور وتظهر بقوة، بدأت مراكز التفكير الغربية الاستعمارية تضع خططاً للمحافظة على مصالح دولها، بعد الخروج من المستعمرات، وكان أحد محاور تلك الخطط «المناطق الحدودية» وكيف يمكن جعلها منطقة مهمة فى خدمة مصالح الدول الاستعمارية، وارتكز ذلك المحور على بقاء التنازع على مناطق الحدود مستمراً وقائماً بين الدول التى تحررت من الاستعمار، الأمر الآخر: «سكان تلك المناطق» لا بد أن تتوزع ولاءاتهم بحيث يكونون جزءاً من إثارة النزاع وبقائه مشتعلاً، خاصة أن أى منطقة حدودية فى أى دولة تكون بعيدة عن مركز الدولة (العاصمة) من حيث المسافة والعناية والاهتمام، وفى العادة لا تلقى تلك المناطق نفس الاهتمام بالعاصمة وعواصم الأقاليم المختلفة، فيكون من السهل وبقليل من الجهد إثارة سخطهم الذى سرعان ما يتحول إلى شوكة فى ظهر الدولة والدخول معها فى صراع وقد يصل إلى حد المطالبة بالانفصال أو على الأقل الحصول على حكم ذاتى داخل الدولة والأمثلة كثيرة فى قارتنا الأفريقية وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وبعد ما حدث فى 25 يناير 2011 فى مصر زادت حدة استخدام الغرب للمناطق الحدودية المصرية من الدول الغربية باستخدام المنظمات الدولية واستخدمت كأوراق ضغط على مصر لتحقيق مصالح لبعض الدول فى مصر وازدادت الضغوط الدولية بشكل سافر وأحياناً بشكل وقح وكانت هناك تهديدات واضحة ومثارة إعلامياً بشكل لا يمكن التسامح معه ورغم ذلك تسامحت معها الجماعة الإرهابية التى حكمت مصر لمدة عام.
بعد ثورة 30 يونيو لم تكن مصر فى حاجة إلى أن يحدثها أحد عن الاهتمام بأبنائها سكان مناطق الحدود، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى يدرك أهمية ذلك الملف ليس بسبب ضغوط خارجية، ولكن بما كان يؤمن به بأن أبناء الوطن الواحد لا بد أن يكون متساوين فى الحقوق والواجبات، لذا كان التعامل مع هذا الملف على درجة عالية من الاهتمام؛ فزار الرئيس المناطق الحدودية جنوباً وشرقاً وغرباً أكثر من مرة وتابع المشروعات الثقافية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية التى يتم إنشاؤها فى تلك المناطق وأزال الكثير من العوائق التى كانت تقف أمام الرقى بتلك المناطق، وتم تعيين مستشار للرئيس للمناطق الحدودية، اللواء أحمد جمال الدين، واشترك معه فى الملف مستشار الرئيس للأمن القومى السيدة فايزة أبوالنجا، وكانت وزارات الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالى والشباب والرياضة والتنمية المحلية والتضامن الاجتماعى والصحة والداخلية والأجهزة السيادية ضمن لجنة أنشئت برئاسة رئيس الوزراء للمناطق الحدودية.
واستطاعت وزارة الثقافة أن تعد مشروعاً متكاملاً لمناطق الحدود تمحور حول إنجاز مجموعة مهمة من المنشآت الثقافية فى تلك المناطق وإقامة مجموعة من الأنشطة الثقافية فيها، وتنظيم مجموعة من الفعاليات الثقافية المختلفة فى القاهرة لأبناء الحدود وزيارة مناطق المشروعات الكبرى والالتقاء بالقادة والمفكرين وتلقى الكثير من المعلومات عن وطنهم وتاريخه وحركته عبر العصور.
وقد أنجزت الكثير من الوزارات المشتركة فى ملف المناطق الحدودية كثيراً من الأنشطة المرتبطة بعمل كل وزارة، طبقاً للتكليف الرئاسى فى هذا الأمر، ولكن يجب الانتباه مع تولى حكومة جديدة أن الاهتمام بالمناطق الحدودية جنوباً وشرقاً وغرباً يجب ألا يكون منفرداً لكل وزارة على حدة، وأن تكون هناك لجنة خاصة برئاسة رئيس مجلس الوزراء للمناطق الحدودية، تتكون من الوزارات والجهات المعنية بالملف، تنسق بينها العمل وتضع استراتيجية متكاملة لاستكمال ما تم إنجازه بتلك المناطق، لأنها لن تكون حائطا صلباً أمام أية مخططات داخلية أو خارجية إلا إذا تم تحصينها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فما زال المرتبصون بالوطن يعتبرون تلك المناطق ثغرة يمكن النيل من الوطن من خلالها.
وما زال فى ملف العناية بالمناطق الحدودية ثقافياً الكثير لإنجازه؛ فتنمية الصناعات الثقافية، واكتشاف المواهب الفنية والثقافية، والاهتمام بتراث تلك المناطق ورعايته والاستمرارية فى العمل الثقافى فى تلك المناطق ونقل الأنشطة الثقافية الكبيرة وأعمال كبار الفنانين والمثقفين من العاصمة إلى تلك المناطق تحتاج جهوداً كبيرة، ومتواصلة، ومستمرة، وروحاً مبدعة.
إننا أمام ملف من الأهمية والخطورة بمكان تلعب فيه الثقافة دوراً محورياً ويجب أن يستمر بكل قوة، وهو ملف يحتل مكانة مهمة فى عقل وقلب الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويجب على الجميع أن يدرك ذلك، ويعمل بالقدر الذى يتفق وهذا الاهتمام.
حفظ الله هذا الوطن موحداً وصلباً وقوياً من كل أعدائه والمتربصين به.