أشرف غريب يكتب: مهرجان العلمين.. عندما يقترن الفن بالمعاني الوطنية النبيلة

كتب: الوطن

أشرف غريب يكتب: مهرجان العلمين.. عندما يقترن الفن بالمعاني الوطنية النبيلة

أشرف غريب يكتب: مهرجان العلمين.. عندما يقترن الفن بالمعاني الوطنية النبيلة

حتى عام 1974 لم تكن السينما المصرية تعرف من الساحل الشمالى غرب الإسكندرية سوى مدينة سيدى عبدالرحمن القريبة من مدينة العلمين التاريخية التى صور فيها المخرج سعد عرفة فيلمه الشهير «رحلة العمر» وقبل ذلك التاريخ بتسع سنوات أخرج الممثل عبدالعليم خطاب فيلمه العابر الذى ربما لم يسمع عنه أحد والذى يحمل اسم «العلمين» من بطولة مديحة سالم وصلاح قابيل، المأخوذ عن رواية «روميو وجولييت» لويليام شكسبير فى معالجة بدوية مصرية فيما أصبحنا نطلق عليه «رومانسية الصحراء» وبعده بثلاث سنوات وفى فيلم «شهر عسل بدون إزعاج» للمخرج عبدالمنعم شكرى ظهرت مقابر العلمين التى ضمت رفات جنود جيشى المحور والحلفاء فى المعركة الشهيرة سنة 1942 التى عجّلت بنهاية الحرب العالمية الثانية، وبخلاف هذه الأفلام الثلاثة تقريباً لم يكن فى المنطقة الساحلية بين الإسكندرية ومرسى مطروح ما يجذب انتباه صُناع السينما فى مصر حيث الصحراء المترامية وشاطئ البحر غير الممهد على امتداد البصر.

ومنذ ثمانينات القرن الماضى، بدأ العمران يدب فى المنطقة متمثلاً فى «مراقيا وأخواتها» وعرفت كاميرات السينما المصرية وحفلات الصيف على نطاق محدود طريقها إلى تلك المنطقة التى كانت مجهولة يلفها الظلام ومخاوف ما تبقى من ألغام الحرب العالمية الثانية، غير أن هذا كله لم يكن كافياً ليعبر عن الفرص الواعدة التى يملكها الساحل الشمالى الغربى سياحياً واستثمارياً، كانت هذه المنطقة بحاجة إلى مدينة مليونية من مدن الجيل الرابع تعرف عمراناً مستداماً وجاذباً للحياة بها طوال العام وليس فى فصل الصيف فقط، كانت بحاجة إلى الولوج لعصر المدن السياحية الكبرى متخطياً زمن القرى المتفرقة التى هى فى النهاية كيان عمرانى محدود المساحة، ومحدد زمنيا بفترة موسم الصيف، ومن هنا كان الفكر المستنير للقيادة السياسية بإنشاء مدينة العلمين الجديدة عند حدود الكيلو 105/106 طريق الإسكندرية مطروح الساحلى والتى وضع لها الرئيس السيسى حجر الأساس عام 2018، وفى خلال سنوات قليلة أصبحت المدينة واقعاً فعلياً ملموساً يؤمها السياح المصريون والعرب والأجانب ويستمتعون بمميزاتها المتعددة.

ولأن الإنجاز عظيم ومختلف، كان لا بد له من أفكار ترويجية مختلفة تليق بقيمة ما قام به المصريون على الأرض، فكانت الفكرة الذكية التى أقدمت عليها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية العام الماضى بإقامة الدورة الأولى لمهرجان العلمين الجديدة، وها هى هذه السنة تثبت أقدام المهرجان ذاته بإقامة الدورة الثانية له تحت شعار «العالم علمين» فى الفترة من الحادى عشر من يوليو الحالى وحتى نهاية أغسطس القادم، ورغم النجاح الكبير الذى حققته الدورة الأولى للمهرجان فإن القائمين عليه لم يحاولوا استنساخ هذا النجاح فى دورته الثانية، وإنما راحوا يضيفون إليه ويستحدثون فعاليات جديدة بهدف جذب مزيد من المرتادين والمتابعين، ولفت الانتباه لما تضمه المدينة الجديدة من فرص سياحية واستثمارية وفنية أيضاً، ومن هنا لم يكتف القائمون على الدورة الثانية بمجموعة الحفلات الغنائية التى يحييها كبار مطربى العالم العربى أمثال محمد منير وعمرو دياب وكاظم الساهر ومدحت صالح وتامر حسنى، وإنما أضافوا إليها العروض المسرحية والبرامج التليفزيونية الناجحة والأنشطة الرياضية والترفيهية دون أن يغفلوا عالم الطفل الذى يحظى فى دورة هذه السنة باهتمام خاص من خلال مهرجان «نبتة» للطفل وورش السرد القصصى التى تسهم فى توسيع مدارك الطفل وخياله وقدرته التفاعلية مع غيره من الأطفال وملء وقته طوال اليوم بما هو مفيد ونافع كنشاط إضافى فى فترتى الصباح والظهيرة حتى لا يكون مهرجان العلمين مقصوراً على سهراته المتنوعة ذات الصبغة الترفيهية والسياحية.

وكم كنت أتمنى أن يكون للسينما نصيب فى مهرجان العلمين من خلال مهرجان مواز تتبارى فيه أهم الأفلام العالمية للفوز بجائزة دولية تحمل اسم العلمين مستفيدين من الجاذبية الخاصة التى يتمتع بها الفن السابع بين الفنون الأخرى، ولنا فى تجارب السابقين أسوة حسنة، فقد روجت مدن، مثل كان وفينيسيا وفالينسيا ولوكارنو وغيرها لأسمائها ومقاصدها السياحية والترفيهية من خلال مهرجانات مماثلة أبقت على أسماء مدنها فى ذاكرة العالم وجددت الحديث عنها مع كل دورة جديدة لمهرجاناتها كل عام، وهكذا فعلت مدينة دبى قبل أن يتوقف مهرجانها، واسألوا أصحاب مدينة الجونة على شاطئ البحر الأحمر عن حرصهم على ديمومة مهرجانهم والإبقاء على فريقهم لكرة القدم الذى يحمل اسم المدينة فى أفكار ترويجية غير تقليدية للمنتجع السياحى بعيداً عن الإعلانات المباشرة، وأتمنى ألا تكون فكرة كهذه غائبة عن أذهان القائمين على مهرجان العلمين، ونراها تتحقق فى الدورة الثالثة العام القادم لتضيف المزيد والجديد إلى هذا الجهد المميز والمتنوع فنياً ورياضياً وترفيهياً وسياحياً.

كل هذا جميل ورائع، غير أن ما زاد مهرجان العلمين احتراماً وتقديراً هو أن القائمين عليه وهم يسعون إلى تحقيق عائد ربحى من وراء تلك الفعاليات لم يغفلوا الدور الوطنى الذى دأبت عليه مصر حيال القضية الفلسطينية من خلال الإعلان عن تخصيص ستين بالمائة من عائد المهرجان لصالح أشقائنا الفلسطينيين الذين يعيشون تحت القصف والحياة القاسية كل يوم، وفى هذا معنى فى غاية النبل يحمل دلالات مهمة فى عقل وقلب كل من يقدم على متابعة الأنشطة المختلفة للمهرجان.

وهكذا هى مصر دائماً رائدة فى كل شىء، فى قوتيها الصلبة والناعمة، فى غاياتها وسبلها، لا تحيد عن دورها الذى هو فى البدء قدرها وقدر أبنائها، وفى النهاية مبتغاها ومسعاها


مواضيع متعلقة