مسنة بلا شهادة ميلاد: ولادى نسيونى.. الحكومة هتفتكرنى؟!

مسنة بلا شهادة ميلاد: ولادى نسيونى.. الحكومة هتفتكرنى؟!
على حصيرة مهترئة تتوسط الغرفة الصغيرة، تجلس فوزية محمد خليل، لا تعى من أمرها شيئاً، جسد هزيل لا يقوى على مواجهة ظروف الحياة القاسية وعقل يكاد يغيب من التفكير فى أمر ستة أبناء تركوها ورحلوا منشغلين عنها بحياتهم الخاصة. فى غرفة صغيرة داخل منزل آيل للسقوط فى «اسطبل عنتر» مصر القديمة، تعيش «فوزية» التى لا تعرف عمرها: «عشت كتير، خلفت وربيت وولادى كبروا وكمان اتجوزوا.. ماعرفش العمر ده كله يطلع كام سنة». لا تملك «فوزية» شهادة ميلاد ولا بطاقة رقم قومى، فهى غير محسوبة على الدولة، والدها رفض تسجيلها وأضاع عليها فرصاً كثيرة سواء فى التعليم أو التموين أو المعاش أو العلاج على نفقة الدولة: «الله يرحمه ماتجوزش عليه إلا الرحمة». مياه صرف صحى تتسرب إلى الأرض حيث تجلس، ورائحة الرطوبة تنبعث من الجدران حيث تسند ظهرها، أما هى فلا تستطيع الحركة لكبر سنها، ولا ترى من حولها بعد أن أكلت المياه البيضاء نور عينيها: «محتاجة حد يراعينى، محتاجة أتعالج، لكن مفيش حد جنبى، هطلب من مين يراعينى إذا كانوا ولادى الستة سابونى ونسيونى فى وسط زحمة الحياة».
ورغم الجفاء الذى تشعر به «فوزية» تجاه أولادها فهى لا تكف عن الدعاء لهم بأن يبسط حالهم ويوسع رزقهم ويهديهم إلى الطريق المستقيم: «هيعملوا إيه؟ الحياة صعبة وأنا عارفة إن مش بإيديهم». كثيراً ما يشتد المرض على «فوزية»، لدرجة تستدعى نقلها إلى المستشفى، وهو ما يفعله جيرانها بسرعة نقلها إلى أقرب مصحة لكن محاولاتهم دائماً ما تبوء بالفشل لعدم وجود أوراق تثبت أهليتها: «ولاد الحلال حاولوا كذا مرة يعالجونى لكن مفيش حد بيرضى يعالج واحدة ماعندهاش بطاقة، والإسعاف كذا مرة جت هنا ولما ماتلاقيش بطاقة ولا شهادة ميلاد تقفل الباب وتمشى».
حالة من البؤس تعيشها «فوزية» لا تطلب شيئاً بقدر ما تطلب الموت لتجد الراحة الأبدية: «باطلب الموت بس هو كمان مابيجيش، ومش عارفة لو مت هادّفن فين؟ مين عارف يمكن أموت وأتحلل مكانى ومحدش يحس بيا».