.. وماذا عن جريمة أمريكا؟ (1)

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

قامت الدنيا ولم تقعد بعد الطلب الذى قدمه كريم أحمد خان، مدعى المحكمة الجنائية الدولية، إلى هيئة قضاة المحكمة، أو ما تعرف بـ«الدائرة التمهيدية»، بإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، ووزير دفاعه «يوآف جالانت»، بتهم ارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، وتشمل هذه التهم: «التجويع، والقتل العمد، والإبادة، والقتل»، وكذلك طلبه بإصدار أوامر اعتقال بحق قادة حركة حماس، المصنفة إرهابية فى الولايات المتحدة ودول أخرى: «يحيى السنوار»، رئيس المكتب السياسى للحركة فى غزة، و«محمد الضيف»، قائد كتائب القسام - الجناح العسكرى للحركة، و«إسماعيل هنية»، رئيس المكتب السياسى للحركة، بتهم: «الإبادة، والاغتصاب، والعنف الجنسى، واحتجاز رهائن».

واختلفت ردود فعل وتعليقات جميع الأطراف الدولية تجاه ما فعله «خان»، ولكن كل المختلفين اتفقوا على وصف طلب مدعى «الجنائية الدولية» بجملة واحدة مشتركة فيما بينهم: «لقد ساوى بين الضحية والجلاد».

ودلالة الجملة تختلف من طرف لآخر، كل حسب موقفه الأساسى من الصراع العربى - الإسرائيلى، فالمنحازون لإسرائيل يرونها الضحية، وحركة حماس هى الجلاد، وفى المقابل يرى الداعمون للحق الفلسطينى أن الفلسطينيين هم الضحية، وإسرائيل هى الجلاد.

كلها ردود فعل متوقعة، وسبق تكرارها فى مواقف مشابهة، وكلها تدور فى فلك السياسة الدولية، وخرجت الولايات المتحدة برد فعل ذى وجهين (مزدوج)؛ الأول سياسى كغيرها من بقية الدول، والثانى إجرامى لا يعبر إلا عن غرورها كدولة استعمارية، لا تعرف عن استخدام القوة وإرهاب الآخرين بديلاً.

رد الفعل الأمريكى السياسى عبر عنه الرئيس «جو بايدن»، قائلاً: لا يوجد أى تكافؤ على الإطلاق بين موقفى إسرائيل وحماس، وأعلن وزير خارجيته «أنتونى بلينكن» رفض الولايات المتحدة طلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، وقال: نرفض أن يجعل المدعى العام للمحكمة موقف إسرائيل مكافئاً لحماس.

ورد الفعل الإجرامى جاء على لسان رئيس مجلس النواب الأمريكى «مايك جونسون»، الذى أكد أن المجلس قد يصوت على عقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية، وضمان مواجهة قياداتها لعواقب إذا مضوا قدماً.

ما قاله «جونسون» يضع الولايات المتحدة فى دائرة الاتهام بجريمة التأثير على سير العدالة، وتهديد القضاء كأداة فعالة لتحقيق هذه العدالة، لاستصدار قرار أو حكم بما لا يتناسب مع وقائع الدعوى.

أمريكا التى لم تنضم لنظام روما الأساسى، الذى تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، ولا تعترف بسلطتها، وتتذرع بأن المحكمة قد تُستغل فى محاكمات ذات دوافع سياسية، هى نفسها التى تضغط على المحكمة وقضاتها لينحازوا لمواقفها السياسية على حساب العدالة.

وسوابق الإدارات الأمريكية فى هذا الإطار متعددة، ولم تكن إدارة الرئيس الأمريكى الحالى «بايدن» صاحبة «السابقة الأولى» فى ذلك، وسبقتها إدارة الرئيس «دونالد ترامب» بمواقف مماثلة.. وللحديث بقية.