منذ دارت رحى الحرب فى غزة والكل ينظر لها من زاوية أحادية لتحقيق مصلحته المباشرة كاملة، حسبما يتمنى أو يريد، دون أن يضع فى حساباته موقف الآخر، والوضع على الأرض الذى تحكمه موازين القوى.
منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة، تؤكد مصر على أن الكل سيخسر، حتى وإن تمكّن أى من الطرفين -إسرائيل وحماس- من كسب الحرب، وأن الصراع لن ينتهى، ولن يتحقق السلام إلا باعتراف الجميع بفشل الحرب فى تحقيق غاياتها السياسية، التى لن تتحقق إلا عبر طاولات المفاوضات.
غاب صوت العقل، حجبته متاريس الكِبْر والعناد التى يقف خلفها كل طرف، ولا شىء يهم.. حتى وإن كان الثمن أرواح عشرات الآلاف من الضحايا.
القاهرة التى تستضيف حالياً المفاوضات الرامية للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، تواجه تعنت الطرفين، وتخليهما عن مسئولياتهما.. فرئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» يهدد باجتياح مدينة رفح الفلسطينية.
و«حماس» تضرب موقع «كرم أبوسالم» بالصواريخ، وتمنح المتطرفين فى إسرائيل «كارتاً» إضافياً لتبرير تطرفهم، والولايات المتحدة تحذر إسرائيل من اجتياح «رفح» لكنها لن تمانع إذا ما قدّم «نتنياهو» خطة لحماية المدنيين، وحسبما قال «أنتونى بلينكن» وزير الخارجية الأمريكى: «فى غياب مثل هذه الخطة، لا يمكننا دعم عملية عسكرية كبيرة فى رفح».
محصلة كل ذلك فى النهاية تتمثل فى علوِّ صوت المتطرفين من الجانبين، وتصعيد المواجهات على حساب المفاوضات، وجرِّ المنطقة بكاملها لصراع شامل إن بدأ لن يوقفه أحد.
«بلينكن» يؤكد أن حركة حماس هى «العقبة الوحيدة أمام التوصل لوقف لإطلاق النار فى غزة»، وفى الوقت نفسه يفشل فى إثناء «نتنياهو» عن اجتياح رفح، رغم اعترافه بأن الهجوم الإسرائيلى على المدينة سيؤدى لوقوع خسائر لا يمكن قبولها! وعجز «وليام بيرنز»، مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA)، الذى وصل إلى القاهرة للانضمام إلى المحادثات، عن إقناع أى من الطرفين بوقف التصعيد العسكرى، وما سيضيفه من أبعاد كارثية للأزمة الإنسانية المتفاقمة فى غزة، فضلاً عن تأثيراته على أمن واستقرار المنطقة.
وكشف «بلينكن» عن صعوبة التفاوض مع «حماس» التى تعتبرها الولايات المتحدة مجموعة إرهابية ولا تدخل فى محادثات مباشرة معها.
وقال إن «قادة حماس الذين نُجرى معهم محادثات غير مباشرة، عبر المصريين والقطريين، يعيشون خارج غزة، وصانعى القرار فى نهاية المطاف هم أولئك الموجودون داخل غزة، والذين ليس لدى أى منا اتصال مباشر معهم».
وسط كل تلك الالتباسات والملابسات، تقف مصر كالقابض على الجمر، وتستجمع كل خبراتها لتأكيد دعمها للقضية الفلسطينية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين فى غزة، وفى الوقت نفسه تؤمِّن حدودها لمواجهة أى احتمالات من شأنها تهديد أمنها القومى.
حتماً ستضع الحرب فى غزة أوزارها، فهى كغيرها من الحروب على مدى التاريخ، لن تدوم إلى الأبد، وبعد أن تسكت المدافع -إن عاجلاً أو آجلاً- ستتكشف الأمور، وتنجلى الحقائق عن الكثير من المواقف لكل الأطراف، وسيعرف الجميع أن مصر هى الأكثر شرفاً فى التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب أجمعين.