محمد يوسف يكتب: «الحشاشين».. حقيقة شيخ الجبل بين الدراما والتاريخ

كتب: الوطن

محمد يوسف يكتب: «الحشاشين».. حقيقة شيخ الجبل بين الدراما والتاريخ

محمد يوسف يكتب: «الحشاشين».. حقيقة شيخ الجبل بين الدراما والتاريخ

تُعد شخصية حسن الصباح، أو شيخ الجبل، من الشخصيات المثيرة للجدل تاريخياً ودرامياً، أو الكنوز الدرامية الثرية بكل التفاصيل، وإن تباعدت الدراما عن التاريخ، ولكن ستظل فرقة الحشاشين التى استمرت قرنين من الزمان، وكانت أكثر الجماعات دموية وتأثيراً، كنزاً للدراما والتاريخ بأحداثها الأسطورية والتاريخية كمادة للدراما، حيث قام الحشاشون باغتيال الوزراء والحكام، وبل وخلفاء، وقوّضوا بلاداً ودولاً وممالك، بل حاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبى.

لم يحسم المؤرخون السبب الحقيقى لتسمية تلك الجماعة بالحشاشين، وتعددت الروايات، مثل أنهم حصلوا على اسمهم لاعتمادهم على نبات الخشخاش، المصدر الرئيسى للحشيش، أو أنهم يختبئون فى الحشيش الأخضر عند مهاجمة أعدائهم، أو أنهم حصلوا عليه من الكلمة الفرنسية «Assassins»، التى تعنى القتَلة أو الاغتياليين، وأطلقها الصليبيون على الفدائيين الإسماعيليين.

واتخذت جماعة الحشاشين فكر ومنهج «الصباح»، مؤسس الحركة، القائم على الاغتيالات مذهباً لها، ووعد «الصباح» أتباعه الفدائيين بالجنة فى مقابل الطاعة العمياء، حيث بدأت قصة الحشاشين عقب وفاة «جعفر الصادق» فى «المدينة» عام 148 هجرياً، 765 ميلادياً، وفى اليوم التالى لوفاته حدث انشقاق بين العلويين، نتجت عنه فرق متعددة، منها فرقة «موسى الكاظم بن جعفر الصادق»، وهى طائفة الشيعة «الاثنا عشرية»، وهم المعتدلون، وفرقة «الإسماعيلية»، التى تطورت لتُصبح «الباطنية»، التى أصبحت الحشاشية أو الحشاشين، وهى الفرقة المؤمنة بإمامة إسماعيل، الابن الأكبر من أبناء جعفر الصادق، ثم إمامة محمد من بعد أبيه إسماعيل، وتبنَّت إمامة «نزار المصطفى لدين الله» ابن الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، ثم حسن الصباح إماماً للمذهب. وتبنى الحشاشون التقاليد الثورية للتشيع، واعتمدوا على المظلومية أو منهج مقاومة الظلم من الدول السنية، خاصة الدولة الغزنوية والسامانية، وتطورت الأفكار إلى مفهوم حركات التمرد والجماعات المسلحة التى تحارب فى سبيل العدالة الاجتماعية.

انطلقت الدعوة الإسماعيلية «النزارية»، أو «الحشاشون»، من مدينة «كرمان» التاريخية جنوب شرق دولة إيران، وتبعد عن طهران العاصمة أكثر من 960 كيلومتراً، قبل أن تنتقل شمالاً إلى مدينة «يزد»، إحدى أهم مدن الدولة الصفوية، لتستقر فى قلعة «ألموت» على ارتفاع 2100 متر أعلى قمة جبل «آموخت»، واسمها يعنى «عش النسر»، فقد بُنيت بطريقة جعلت من دخولها مستحيلاً، حيث لا يوجد لها إلا طريق واحد يصل منها وإليها على منحدر كبير.

وكانت الإسماعيلية طائفة سلمية حتى ظهر «الصباح»، وهو حسن بن على بن محمد الصباح الحميرى، الذى وُلد فى عام 410 هجرياً، 1015 ميلادياً، فى مدينة «الرى» بإيران، وإن كان البعض ذهب إلى أنه وُلد فى مدينة «قم»، العاصمة الدينية لإيران، ثم انتقل إلى «الرى»، وأرجعت بعض المصادر أصله إلى العرب.

ووصف «ابن الأثير» الصباح بأنه كان رجلاً عالماً بالهندسة والحساب والفلك والسحر، نشأ فى بيئة شيعية اثنى عشرية، تأثر بالطائفة الإسماعيلية حينما كان فى مدينة «الرى»، لذا اعتنق الدعوة فى السابعة عشرة من عمره.

وقال ابن كثير فى كتاب «البداية والنهاية» إن حسن الصباح كان يطوف على الناس ويخدعهم بالزهد واللبس البسيط، وتبعه كثير من الناس، واستطاع أن يستميل صاحب القلعة، وكان علوياً، فأحسن الظن به وقرّبه إليه وصار يتبرك به، وعندما أحكم أمره، واطمأن إلى قوّته، دخل يوماً على صاحب القلعة وأمره بالخروج، فتبسَّم العلوى وظنه يمزح، فأمر ابن الصباح بعض أصحابه بإخراجه، فأخرجوه إلى «دامغان»، وانتزعوا منه كل شىء، المال والحصن، لذا حصل حسن الصباح على لقب شيخ الجبل، وأصبحت «ألموت» أقوى القلاع التاريخية. ابتكر حسن الصباح نظرية الإمام «المستور» والدعوة إليها، مخالفاً بذلك الدعوة الشيعية الإمامية التى كانت تعتمد على نظرية الإمام «الظاهر»، فقد استغل فرصة موت الإمام نزار بن المستنصر فى السجن، وزعم أن الإمامة انتقلت إلى أولاده وأحفاده، ولكنهم أصبحوا أئمة غير ظاهرين من باب السرية الأمنية، ثم نصب نفسه نائباً للإمام، واستطاع أن يستغل الدعوة لنزار خير استغلال، فأصاب نجاحاً بعيد المدى، وأفلح فى تكوين نظام جديد، وأنشأ دولة إسماعيلية خالصة له فى وسط الدولة العباسية لسنوات طويلة.

نال «الصباح» عند أتباعه مكانة تصل إلى القداسة، فكان من السهل إقناعهم برفع السيف ضد الدولة العباسية السنية، كما تلاعب فى تفسير القرآن الكريم، وذلك ليتناسب مع أهوائه، وأطلق عليه التفسير الباطنى، لذا سُميت الفرقة بالباطنية. وتوفى شيخ الجبل حسن الصباح فى السادس من ربيع الآخر من العام 518 هجرياً، 1124 ميلادياً، عن عمر ناهز التسعين، وغادر كرسيه بالقلعة بعد أن قضى أكثر من 35 عاماً لم يغادرها، وتم دفنه فى أحد سراديب القلعة، واستمر الحشاشون لما بعد «الصباح».

ورصد الكُتاب والمؤرخون أن مبدأ «التقية» أحد أهم مبادئ الحشاشين، حيث التورية والكذب والاختفاء بين العموم، كما لم يكن هناك ما يمنع من التحالف مع الصليبيين أو الأعداء، فطيلة قرنين لم يكلف الحشاشون أنفسهم محاربة الصليبيين الموجودين فى بلاد الشام، بل إن عداءهم وحنقهم كان مُنصباً على زعماء المسلمين.


مواضيع متعلقة