د. محمد حسن يكتب: صيد العقارب.. أصحاب وأقارب

كتب: محمد حسن

د. محمد حسن يكتب: صيد العقارب.. أصحاب وأقارب

د. محمد حسن يكتب: صيد العقارب.. أصحاب وأقارب

عودة للدراما الاجتماعية، بل للدراما التليفزيونية الحقيقية، بعد أن أفرغتها ما تُسمى بـ(ورش الكتابة الدرامية) من قيمتها وأنزلتها من قمتها وحوّلتها إلى (القشور الدرامية)، ولأن الدراما هى فن الأحداث لا السرد الحوارى نجد أنه منذ الوهلة الأولى لعرض أحداث المسلسل التليفزيونى (صيد العقارب) نرى الأحداث متلاحقة متدفقة وهذا ما يفتقده الكثير من الأعمال الدرامية فى الآونة الأخيرة.

وأود أن أشيد بتلاقى ثلاثى الإبداع المتميز للمرة الأولى وهم: النجمة الجماهيرية غادة عبدالرازق التى سعت لاقتناص أحد إبداعات محترف كتابة السيناريو المبدع باهر دويدار الذى قدم أعمالاً متألقة مثل: (كلبش) و(الاختيار) ومسلسلات تحكى عن بطولات المخابرات العامة العظيمة، وأيضاً سعت للمتألق مؤخراً المخرج أحمد حسن، وهذا السعى ميزة وليس عيباً وهى بذلك استطاعت تجديد دمائها وجلدها الفنى، لأن تكوين النجومية عبارة عن الثلث موهبة والثلثين ذكاء الاختيار، فنجح ثلاثى الإبداع بمعاونة مدير تصوير رائع ومدير إضاءة جيد ومصمم ديكور يدرك الجو النفسى لشخصية البطلة، خاصة فى اختياره لألوان معمل العقارب، كل هؤلاء المبدعين الذين يعاونون المخرج الذى وظف عناصر الإبداع التعبيرى مع موسيقى تصويرية ومونتاج حقق تدفق الإيقاع العام أسهموا فى تدعيم التشويق الذى طرحه المؤلف من خلال دراما متميزة.

تؤكد هذه الدراما تميز باهر دويدار لاتباعه جميع القواعد الكلاسيكية فى الدراما الإغريقية، لذلك لم أعجب حينما قرأت انطباعات صحفية لا ترقى للنقد العلمى بأن المؤلف ذكّرنا بإبداع العملاقين الكبيرين أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبدالقوى ذلك لأن الكبيرين كانت أعمالهم دراما حقيقية ملتزمة بكل القواعد الدرامية، فنجد «صيد العقارب» يطرح منذ البداية التمهيد الدرامى بعرض أفراد أسرتى إسماعيل الغول وحسن ضرغام الأصدقاء والشركاء والأخلاء ممن جمعوا بين تزاوج المصالح وتزاوج الأبناء، فتتجلى نقطة تفجير الحدث الرئيسى بكشف العلاقة الآثمة بين سماسم، «سيمون»، زوجة الغول التى تخونه مع «على»، ابن صديقه ضرغام «محمود عبدالمغنى» ثم قتله على يد ابن «إسماعيل» دون أى إشارة عن دوافع الجريمة فيثير الحدث الدامى فى أذهان المشاهدين دافعاً منطقياً لم يعرضه المسلسل بعد، وهو أن الابن مدمن المخدرات (أحمد ماجد) قد اكتشف العلاقة الآثمة بين «على» وأمه فقتله، وفى تشويق درامى آخر بحرفية درامية وإخراجية تتضح نقطة كشف درامية أخرى أن «سماسم» تخون زوجها أيضاً مع معتز (أحمد جمال سعيد) سكرتير زوجها وكأنها مريضة نفسياً بـ«شبق سن اليأس».

كل هذه الأسباب تبرهن لماذا تعتبر دراما «صيد العقارب» عودة للدراما التليفزيونية الجيدة بقيادة مخرج متميز توج بهذا العمل نجاحاته فى مسلسلاته السابقة، دون تحذلق والإسهاب فى (ديكوباج) يستعرض به عضلاته الإخراجية ولو فعلها لأطاح بنجاحه وتميزه فى هذا العمل المبدع، ولأن اختيار الممثلين وتوظيفهم أهم أدوات المخرج باستثناء البطلة التى هى من اختارت المخرج، نجد أحمد حسن قد تألق فى اختيار وتوظيف جميع الممثلين دون استثناء، خاصة الشباب وفى مقدمتهم ريم المصرى وحبيبها أدهم، أعتقد أن اسمه سيف الدربى، أما رياض الخولى وبتجسيده لدور إسماعيل الغول أكد أنه (غول تمثيل) منذ دوره المبهر فى (طيور الظلام) ومروراً بتألقه واقتداره فى «جزيرة غمام» وبهذا الدور هو وأحمد ماهر وسيمون يثبتون أن الممثل الكبير قيمة كبيرة يتحتم على الكُتاب والمخرجين استغلال هذه الطاقات المتألقة.

أما منال سلامة، فعلى الرغم من أن طاقتها وإمكانياتها التمثيلية أكبر وأهم من الشخصية التى قدمتها، فيحسب للمخرج إسناد الدور لها بعد تألقها معه فى «الأصلى» وثقافة «منال» وخبرتها ورؤيتها فى تحديد أبعاد أى شخصية تؤديها منذ بدايتها فى (مسرح السامر) جعلتها لا تلجأ لاستسهال الأكليشيهات البكائية فى تجسيد صدمتها بمقتل زوجها والحض على الإتيان بثأره، وفى النهاية أقدم تهنئة للنجمة غادة عبدالرازق لحسن اختيار التوقيت لسعيها فى تقديم دراما اجتماعية وذكائها فى اختيار شخصية عالمة الحشرات الدكتورة عالية، ولنجاحها فى فهم التطور فى مراحل الشخصية الدرامية ونجاحها بمعاونة مخرج واعٍ برسم «الكاركتارات» بأبعادها المادية والاجتماعية والنفسية، هذه الأبعاد الثلاثة التى هضمتها غادة عبدالرازق واستدعت من ذاكرتها الانفعالية كل هذه الأنواع المختلفة من الانفعالات وبدرجات انفعال بميزان الذهب دون مبالغة أو تهوين فى أداء صادق يختلف تماماً فى مرحلة الزوجة الطيبة العاشقة لزوجها ثم التحول الدراماتيكى إلى النقيض للمرأة المتجبرة المنتقمة حتى ممن أحبت وعشقت.

 


مواضيع متعلقة