اختيار «الحشاشين»

هدى رشوان

هدى رشوان

كاتب صحفي

كنت قد اتفقت وابنتى على اختيار مسلسل واحد لمتابعته فى رمضان؛ فهى طالبة الثانوية العامة، والوقت لن يسمح بأكثر من مسلسل؛ لكننى اخترت الجرعة الكاملة من كل شىء، ممثلة فى دراما الحشاشين.. ولدىّ أسبابى.

اختيار «الحشاشين» أدهش ابنتى؛ سألتنى عن السبب، وأجيب.. لأننى عاصرت التطرّف، كنت أسال نفسى كيف يغزو هؤلاء العقول، كيف يؤلبون الابن على أبيه، كيف يدفعون الفتى لقتل نفسه، كيف يحقنونه بسموم عقولهم؟.. أجيب مما رأيته، قبل أن تأتينى الإجابة فى «الحشاشين».

«أنا عايز الرعب يملأ القلوب.. واللى يعترضنا يتقتل بأبشع الطرق»، هذه العبارة التى قالها الفنان المتألق كريم عبدالعزيز فى برومو المسلسل كانت كفيلة بأن تُلخص قصة المسلسل التى تتناول قضية خطيرة فى التاريخ الإسلامى ظلت محل جدل منذ عصور، خاصة لجماعة مثل الحشاشين.

أول مشهد فى الحلقة الأولى من مسلسل «الحشاشين»، التى حملت عنوان «العهد»، أوضحت الأساس الفكرى، الذى جذب به حسن الصباح، مؤسس جماعة الحشاشين، أتباعه على أساسه، ففى قلعة «ألموت» معقل جماعة الحشاشين، قدم رسول من ملك فرنسا لطلب إخضاعهم له، فكان رد حسن الصباح بأن أشار إلى أحد أتباعه، وقال له «بماذا تفدى الدعوة؟»، فرد عليه تابعه «بروحى»، ثم ذهب وألقى بنفسه من فوق القلعة، وهو يقول «روحى فداء صاحب مفتاح الجنة».. وهنا تظهر عقيدة هؤلاء.. «الصباحى» يعده بالجنة وهو لا يملك مفتاحها.

حركة سياسية فى ثياب الدعوة، تستخدم الدين لتبرير جرائمهم بحق الأبرياء، أوجه تشابه واضحة بين جماعات تغييب العقل، عادت مثل هذه الجماعات فى العصر الحديث للظهور، وبالأسلوب نفسه من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية على حساب الدولة والمواطنين.

لماذا «الحشاشين»؟ لأن الأحداث جديرة بإنجاز عمل درامى احترافى يوثّق الأحداث للأجيال الجديدة، ويوعيهم، ويدخلهم فى مفهوم الذاكرة، كما أن الدراما التاريخية فرصة للشعوب بشكل عام لأن تعرف تاريخ بلدها، وفرصة أيضاً لصُناع الدراما لجذب الجماهير وإعادة بناء وتشكيل وعيهم وهويتهم، ومسلسل «الحشاشين» يطرح مفهوم الوعى بالخطر، الذى تشكله الجماعات المتطرّفة والإرهابية، ويكشف أساليب التطرّف وكيفية غزو العقول وتجنيد الشباب، ويطرح أسئلة مهمة حول الدين والسياسة والعنف.

قريباً يُسجل تاريخ الدراما مسلسل «الحشاشين» واحداً من أفضل المسلسلات التاريخية المصرية باللهجة العامية منذ سنين، اللهجة التاريخية التى نطق بها المصريون، فضلاً عن كونها اللهجة الأسهل المفهومة لجميع الأجيال والجماهير بكل فئاتهم فى جميع أنحاء الوطن العربى، بعد احتلال المسلسلات التركية المدبلجة الشاشات لوقت طويل.

لماذا «الحشاشين»؟ لأن عناصر النجاح الدرامية مكتملة فى المسلسل بتمثيل إبداعى للفنان كريم عبدالعزيز وكوكبة من النجوم المبدعين بمعنى الكلمة فى أداء تمثيلى متقن لأدوارهم، مستخدمين كل أدواتهم فى صُنع الشخصية التاريخية المطلوبة، مع وجود نص رائع للكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، ورسم لوحة فنية إخراجية متكاملة للمبدع بيتر ميمى، الذى يهتم بكل التفاصيل فيها.

وتكتمل الصورة بحجم إنتاج ضخم ظهر واضحاً منذ اللحظة الأولى فى المسلسل، والتى استغرقت سنوات فى التصوير لتخرج بهذا الشكل، وترجمة عمل بهذا الحجم إلى عدة لغات، وبيعه لعدد من تليفزيونات الدول المختلفة، خطوة ذكية من الشركة المتحدة، لتُعيد الدراما المصرية إلى دورها الريادى، وتتجه بها نحو العالمية.

«الحشاشين» عمل يستحق المشاهدة طالما انتظرنا مثله.