«واشنطن» عاجزة أم متواطئة؟.. ذلك هو السؤال
السؤال الذى بات يشغل كل المراقبين للشأن الأمريكى الآن هو: هل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن الضغط على إسرائيل لإيقاف العدوان الهمجى على غزة، أم أنها متواطئة؟، خاصة أن كل ما يتبدى من سياسات وردود أفعال رسمية، يؤكد أن «واشنطن» تنفخ فى نيران تلك الحرب لأبعد مدى، لتحقيق مستهدفات ربما تكشفها الأيام أو الشهور القادمة.
ولأن السؤال بلا إجابة حتى اللحظة، فقد زادت الخلافات فى الدوائر الرسمية الأمريكية، وخرجت إلى العلن، وآخرها ما قاله «تشاك شومر» زعيم الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ، عندما دعا أمس الأول -الخميس- إلى ضرورة إجراء انتخابات جديدة فى إسرائيل، لأنه يرى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يشكل «عقبة أمام السلام».
وقال «شومر» فى خطاب له: «إن الائتلاف الذى يقوده نتنياهو لم يعد يلبّى حاجات إسرائيل بعد السابع من أكتوبر -تاريخ بدء الحرب على غزة- و أنه ضل طريقه، وبات يفضل استمرار بقائه على حساب إسرائيل نفسها.
ما قاله «شومر» أصاب الإدارة الأمريكية فى مقتل، خاصة أنه أعلى مسئول يهودى منتخب فى تاريخ الولايات المتحدة، وكان منذ بداية الحرب على غزة حذراً للغاية فى انتقاداته لإسرائيل، وللطريقة التى تنفذ بها هجومها، وهو ما يعد مؤشراً جديداً على تغير لهجة القادة الأمريكيين تجاه أسلوب إدارة الحرب فى غزة.
واضطر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «ماثيو ميلر»، للرد على زعيم الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ فى اليوم نفسه -الخميس الماضى- قائلاً: «إن الكونجرس الأمريكى فرع مستقل عن الحكومة، وإن دعوة «تشاك شومر» لإجراء انتخابات جديدة فى إسرائيل، تعليقات تخصه ولم تصدر عن إدارة الرئيس «جو بايدن»، ورداً على السؤال عما إذا كانت الإدارة الأمريكية لا تشعر بإحباط تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، اكتفى «ميلر» بالرد: «هناك عدد من الأمور التى أردنا أن نرى إسرائيل تفعلها بشكل مختلف».تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أكدت ارتباك «واشنطن»، فهى تتناقض مع تصريحات سابقة للرئيس «بايدن» أكد فيها أن «نتنياهو» يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها، وآخر ما قاله: «إن الرد الإسرائيلى على غزة مبالغٌ فيه».
الارتباك لم يتوقف عند حدود الإدارة الأمريكية فقط، لكنه طال الكونجرس أيضاً، بعد توجيه عدد من النواب سهام النقد لزعيم الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ، ومن بينهم «ميتش ماكونيل» زعيم الأقلية الجمهورية فى مجلس الشيوخ الذى وصف تصريحات «شومر» بأنها «سخيفة ومنافقة»، وأكد دعمه لإسرائيل قائلاً «إنها تستحق حليفاً يتصرف كحليف»، وقال النائب الجمهورى: «آخر شىء تحتاجه إسرائيل هو ذلك النوع من التدخل الأجنبى فى انتخاباتها الداخلية».
أما النائبة الديمقراطية «براميلا جايبال»، وهى من أبرز المطالبين بضرورة وقف إطلاق النار فى غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وإدخال المساعدات إلى سكان القطاع المحاصرين، فقد تساءلت -قبل أسبوع- عن المغزى من إنزال المساعدات الأمريكية جواً على قطاع غزة، فى الوقت الذى تقف فيه أمريكا كأكبر ممول لإسرائيل عسكرياً!وقالت النائبة «جايبال» فى حديث مع شبكة «سى إن إن» الأمريكية إنه «لا بد من إحداث تحول فى السياسة الأمريكية فى أسرع وقت، للاستفادة من نفوذها المستمد من تمويلها لإسرائيل، لإدخال المساعدات فوراً إلى غزة».
صحيفة «واشنطن بوست» تناولت مؤخراً فى افتتاحية بعنوان «رسالة بايدن: استيقظى يا أمريكا»، وأشارت إلى أن خطة بايدن لإنشاء ميناء ورصيف مؤقت على ساحل غزة لتقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة، تعتبر خطة معقولة ومن الممكن أن تساعد، إلى جانب محاولات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فى إقناع المشككين بأنه يهتم بمحنة الفلسطينيين، ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن الدور الذى تلعبه الولايات المتحدة فى العالم، خاصة فيما يتعلق بالحريات الأساسية، أصبح موضع شك، فالشعب الأمريكى منقسم، وهناك تساؤلات عدة عما إذا كانت البلاد لديها القدرة على التمسك بالقيم التى حددتها طوال القرن المنصرم.
أكثر من خمسة شهور، والعدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة مستمر، والعالم كله شاهد على تورط الولايات المتحدة مع إسرائيل فى كل ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، ويبقى السؤال مطروحاً دون إجابة، هل أمريكا متورطة عن عجز، أم تراها متواطئة؟