يوم الشهيد العظيم

مليون تحية لكل من ضحى بحياته فداء للوطن ودفاعاً عن ترابه فى مواجهة العدو، وهو يدرك أن الحياة فى بلد محتل أو ضعيف لن يكون أبداً آمناً للأجيال المصرية.. ونتذكر جميعاً فى هذه الأيام استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، الذى تعتبر مسيرته العسكرية نموذجاً فريداً فى العطاء، ولا ينسى الوطن ما بذله فى كل المعارك ومنها بالطبع دوره العظيم فى إعادة بناء الجيش إبان حرب الاستنزاف المجيدة، وكذلك دوره فى إرساء جميع مستلزمات انهيار خط بارليف، الذى اعتبرته إسرائيل عصياً على الانهيار حتى بقنبلة ذرية، وكما نعرف عثر اللواء باقى زكى يوسف على طريقة إزالة الخط إلى غير رجعة مستخدماً خراطيم المياه، وذلك طبعاً بترحيب الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وكبار القادة العسكريين وفى المقدمة الفريق عبدالمنعم رياض، الذى كان يتفقد الجبهة فى موقع بالإسماعيلية.

كنت أعمل محامية فى شركة أسمنت بورتلاند طرة، وكنت أستخدم أوتوبيس الشركة من سكنى وسط البلد إلى مقر عملى.. وأذكر أننى صعدت إلى الأوتوبيس وأنا سعيدة بالإعلان عن عملية شديدة الوطأة نفذها مقاتلونا الأبطال ضد قوات الاحتلال الصهيونى.. وصدمنى الحزن الذى يطل من عيون زملاء العمل، فسألت باندهاش عميق، إيه ما سمعتوش، فأجابتنى زميلة عزيزة، ألم تسمعى باستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض؟ صرخت كالمجنونة وقمت متوجهة إلى باب الخروج من السيارة لكن صديقتى أمسكت بى وهى تقول: هاتروحى فين، الجنازة ظهر اليوم فى ميدان التحرير.. قبل موعد الجنازة قلت للمدير إننى سأذهب إلى ميدان التحرير فحاول بكل الطرق إثنائى لكننى صممت حتى لو كان الثمن فصلى من العمل.. ما إن وصلت إلى ميدان التحرير وبه حشد لم أشاهد مثله من قبل، وشعارات الطلبة ومنها «خدوا الكتاب وهاتوا المدفع»، و«يا جمال للصبر حدود.. للى خانونا مع اليهود».

المهم أن جنازة الشهيد البطل عبدالمنعم رياض كانت من نماذج الاحتشاد الشعبى الذى لم يكن يتوقعه أحد، فقد هرعت الجماهير الحاشدة إلى الميدان بأعداد مهولة، واخترقت حراسة عبدالناصر فلم يعد بجواره جندى واحد وكأنه ذاب بين الجماهير فى الطريق من ميدان التحرير إلى مسجد عمر مكرم، على ما أتذكر.. وظلت فى وجدانى حادثتان: الأولى عندما شاهد زوجى الكاتب الراحل على الشوباشى الذى كان من جهة مقهى ريش بالميدان وشاهد لواء، ربما كان المسئول عن أمن الرئيس، وهو يندب حظه وثقته بأنه سيحاسب وقد يفصل من وظيفته بسبب اختراق الجماهير للحراسة وبقاء الزعيم بلا أدنى حراسة.. أما الواقعة الأخرى فهى تسجيل الصحافة المصرية والعالمية للجنازة والتشديد على انفضاض الحراسة عن رئيس الجمهورية، والإشارة إلى ذوبانه وسط الجماهير الحاشدة من التحرير إلى المسجد الذى كان باتجاه شارع قصر النيل.

وعلقت الصحافة الغربية بأن جميع الادعاءات الغربية بأن عبدالناصر ديكتاتور ومكروه وإلى آخر الادعاءات المشوهة، ادعاءات نفخت فيها الجنازة، حيث كان عبدالناصر وسط الجماهير لدرجه أنه لو أراد أحد قتله لكان ذلك ممكناً، ليس بأسلحة حديثة، بل بمجرد ضرب رأسه حجر!!! تصورت يومها أن الأعداء سيكفون عن الافتراء الذى فندته جنازة شهيد مصر العظيم، ولكن الغريب أن العداء استمر أكثر شراسة، رغم أن الزعيم الخالد فى رحاب الله منذ أكثر من نصف قرن.