"الإدارية العليا": الإحالة للمعاش.. عقوبة المضربين عن العمل
أرست المحكمة الإدارية العليا مبدأ قانونياً جديداً بشأن إضراب الموظفين داخل مقار العمل وتعطيل مصالح المواطنين المتعاملين مع المرافق العامة. وأصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها بإحالة 3 مسئولين بالوحدة المحلية بـقرية قورص مركز أشمون، للمعاش وتأجيل ترقية 14 آخرين لمدة عامين من تاريخ استحقاقها بعد ثبوت صحة تحقيقات النيابة الإدارية بشأن إضرابهم عن العمل وتعطيل سير المرفق عن أداء مصالح المواطنين. واستندت المحكمة فى أسباب حكمها على «شرط» جاء بقرار جمهورى أصدره الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبل استشهاده بـ 5 أيام بالموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى أقرتها الأمم المتحدة.
صدر الحكم برئاسة المستشار لبيب حليم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أحمد زكى وحسين فايد وعبدالفتاح الكاشف والدكتور رضا عثمان نواب رئيس المجلس وحضور المستشار على حسام الدين مفوض الدولة وأمانة سر سيد سيف. كما أكدت المحكمة أن «السادات» وضع شرطاً على تنفيذ الاتفاقية وذلك بالقرار الجمهورى رقم 537 لسنة 1981 والصادر فى أول أكتوبر 1981، وهو «مع الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها الاتفاقية»، وذلك مع التحفظ بشرط التصديق، ومن ثم فإن الحكومة المصرية وإن كانت قد تعهدت بكفالة حق الإضراب إلا أنها اشترطت لإعمال هذا الحق مطابقته لأحكام الشريعة الإسلامية. وأضافت أن «أحكام الشريعة الإسلامية استندت على قاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المنافع»، وأنه إذا كان الإضراب يؤدى إلى إلحاق الضرر بالمتعاملين مع «المرفق العام» فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك لما فيه من إضرار بالمواطنين. وقالت المحكمة، فى أسباب حكمها: إن الإضراب سواء كان من الحقوق أو الحريات فإنه يتعين الالتزام بحدود هذا الحق وعدم الانحراف عن الغاية منه، وإنه لا شبهة فى أن الفقه الإسلامى هو المصدر التاريخى لنظرية منع التعسف فى استعمال الحق بما يوجب الرجوع إلى هذا الفقه لبحث مدى مطابقة الاتفاقية لأحكام هذه الشريعة.
وأوضحت أيضاً أن «تنفيذ التعليمات لا يكفى للقول بأن الموظف قد أدى واجبه لأنه ملتزم أيضاً بأن يكون مسلكه كاشفاً عن ولائه للدولة ولنظام الحكم القائم، والقدر الأدنى فى هذا الأمر يتمثل فى عدم مهاجمة نظام الدولة، وفلسفتها الاجتماعية فى الاجتماعات العامة أو الجلسات الخاصة، وعدم القيام بأى تصرف يسىء إلى سمعة الدولة، أو أى تصرف يكون من شأنه النيل من سلامة النظام أو تجريحه، وعلى هذا الأساس فإن كل موظف يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة، وكل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها فى قانون الوظيفة العامة، فإنه يرتكب جريمة تأديبية تستوجب المؤاخذة وتستأهل العقاب».
وأشارت المحكمة أيضاً إلى أن «الاعتصام لا يعد مظاهرة، ولا اجتماعاً، ولا تجمهراً، وإنما هو فى حقيقته إضراب، وذلك لانقطاع بعض العاملين عن أداء أعمالهم وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم دون أن يتخلوا عن تلك الوظائف وذلك بقصد الإعلان من جانبهم عن احتجاجهم على وضع معين ومطالبتهم المسئولين بإقصاء رئيس الهيئة، وهذا المسلك يتنافى مع مبدأ سير المرافق العامة بانتظام، ويؤدى إلى إلحاق أفدح الأضرار بالكيان الاجتماعى والاقتصادى بوجه عام، وهو يشكل خروجاً على مقتضيات واجب الوظيفة العامة التى توجب على الموظف أن يكرس كامل وقته لأداء واجبات وظيفته».
وأوضحت المحكمة أنه إذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية استندت إلى قاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المنافع»، وقاعدة «الضرر لا يزال بمثله»، وأنه إذا كان الإضراب يؤدى إلى إلحاق الضرر بالمتعاملين مع الوحدة المحلية بقورص فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك، ليس بما فيه من إضرار بالناس فحسب، بل لأنه يعد تمرداً على السلطة الرئاسية رغم أن طاعة الرئيس واجبة، فإذا تسرب هذا الخلل للجهات الإدارية لن يجدى فى إصلاح الإدارة أى علاج وطاعة المرؤوس لرئيسه لا تعنى تجريد المرؤوس من شخصيته واستقلاله، وبالتالى فإنه لا تثريب على الموظف إن كان معتمداً على نفسه وواثقاً من سلامة نظره، شجاعاً فى إبداء رأيه ما دام لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار وما تستوجبه علاقته برئيسه من التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك، ومن حق المرؤوس أن يبلغ السلطات المختصة بالمخالفات التى تصل إلى علمه حتى ولو كان مرتكبها هو رئيسه لأن هذا الإبلاغ هو واجب عليه توخياً للمصلحة العامة، أما الاعتصام والمطالبة باستبعاد الرئيس فهو ليس الوسيلة التى حددها المشرع للإبلاغ عن المخالفات التى يرتكبها الرئيس، وإذا كان الاعتصام يشكل مخالفة إدارية على النحو السالف بيانه فإن الاعتصام مع احتلال مقر العمل، أبشع أنواع الجرائم التأديبية، وقد حرم مجلس الدولة الفرنسى هذا المسلك فى حكمه الشهير legrand الصادر فى 11 فبراير سنة1961 حيث قرر أنه ليس للمضربين حق احتلال الأماكن الإدارية، لتعارضه مع الغاية من الإضراب بوصفه شكلاً من مظاهر التعبير عن الرأى وصورة من صور الاحتجاج على أوضاع معيبة والذى يجب أن يبعد عن صور التعسف فى استعماله.
وانتهت المحكمة إلى أنه بشأن ما نسب إلى المتهمين من الأول حتى العاشر من أنهم اشتركوا فى الاعتصام بالوحدة المحلية وأغلقوا باب الوحدة ومنعوا دخول رئيسة الوحدة وبعض العاملين لمباشرة أعمالهم مما أدى إلى تعطل العمل فى هذين اليومين فإن هذه المخالفة ثابتة فى حقهم وفقاً لما شهد به محمد سالم عبدالكريم رئيس شئون العاملين وأحمد جمال الدين نائب رئيس مجلس مدينة أشمون وعيد شحات السيد سكرتير الوحدة المحلية بقورص سابقاً. وثابت أيضاً باعترافهم. وذكرت المحكمة فى أسباب حكمها أن الإضراب سواء كان من الحقوق أو الحريات فإنه يتعين الالتزام بحدود هذا الحق وعدم الانحراف عن الغاية منه، وأنه لا شبهة فى أن الفقه الإسلامى هو المصدر التاريخى لنظرية منع التعسف فى استعمال الحق بما يوجب الرجوع إلى هذا الفقه لبحث مدى مطابقة الاتفاقية لأحكام هذه الشريعة.
وأشارت المحكمة إلى أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تجيز الإضراب إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر، أو إذا كانت المصلحة التى يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة. كما أنها لا تجيز الإضراب أيضاً إذا كان صادراً من العاملين فى مرفق عام ما دام سيؤدى إلى توقف العمل فى هذا المرفق، وحرمان أفراد المجتمع من الخدمات التى يقدمها، ومن ثم فإنه لا مجال لإعمال هذه الاتفاقية متى خالفت أحكام الشريعة الإسلامية.
وأضافت المحكمة أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تجيز توقف عمال المرافق العامة عن تقديم الخدمة التى تقدمها إلى الجمهور، وأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل. وجاء بالحكم، أن مفاد ما تقدم يؤكد أن إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية، وإن كانت الحكومة تعهدت فى الاتفاقية بكفالة حق الإضراب فى حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية فإن السلطة التشريعية ملزمة بأن تنظم حق الإضراب بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وباعتباره من الحقوق التى يجب ممارستها وفقاً لضوابط معينة، ولا يجوز التعسف فى استعمالها.
وبالتالى فإن إضراب الموظفين العموميين وإن كان يشكل جريمة جنائية فإنه يعد جريمة تأديبية أيضاً، لأن الموظف العام قد اختير لأداء مهمة معينة، ومن ثم يتعين عليه أن يسلك السبيل الذى تحدده القوانين، ويكون ملزماً بأداء العمل المنوط به فى الوقف المخصص لذلك، وفى المكان المخصص له، وأن يطيع رؤسائه.