أين اختفت التنظيمات الإرهابية؟
(أين اختفت التنظيمات الإرهابية؟).. سؤال منطقى جداً طرحته قناة (Extra News)، سؤال فيه من الذكاء والفطنة والدهاء الكثير، وأعتقد -مثلى مثل غيرى- أنه سؤال الساعة الذى لا بد أن نسأله لأنفسنا، فهو سؤال أساسى لكى نفهم ماذا يحدث منذ بداية ما سُمى بـ«الربيع العربى» ويتفرّع من هذا السؤال الأساسى مجموعة أسئلة فرعية، منها: هل هذا الاختفاء طبيعى؟ أم أنه اختفاء له دوافع معينة؟ وهل دورهم انتهى؟ وهل يقف خلف هذه التنظيمات قوى وأصحاب مصالح تُحركهم فى الخفاء؟
فى البداية، لم أعترف بما أطلقوا عليه «الفوضى الخلاقة التى أتت بالربيع العربى» لكننى أُطلق عليه لقب (الفوضى الخلاقة التى نشرت الإرهاب فى الوطن العربى)، فكيف نُهلل لحالة فوضى أصابت المنطقة العربية بالكامل، ونتج عنها خروج عناصر «القاعدة» من جحورهم وتصدّرهم للمشهد فى عدد من البلدان العربية وتوليهم مسئولية ما أطلقوا عليه اسم (الثورات العربية)؟، كيف لعضو تنظيم القاعدة أن يكون ثورياً ومناضلاً وداعياً للحرية والمساواة وهو فى الأساس داعٍ للتفجير والتكفير والذبح ولا يعرف أى شىء عن الحرية؟، نعم، منذ (عام ٢٠١١)
وتصدّر المشهد أعضاء بارزون بتنظيم القاعدة ارتدوا أفخم البدل وخلعوا رداء التكفير مؤقتاً، تحولوا من أعضاء فى تنظيم القاعدة ومطلوبين أمنياً إلى أصحاب شركات ومصانع وأصبحوا يقضون نصف أوقاتهم فى الطائرات والمطارات وحصلوا على جنسيات لدول بعينها، تحول غريب فى وقت سريع من تكفيرى إلى ناشط سياسى إلى ثورجى إلى مسئول سياسى ثم خروج من المنصب السياسى والتحول إلى (بيزنس مان).. والأمثلة على ذلك كثيرة، سواء فى اليمن أو ليبيا أو سوريا أو العراق أو السودان، وهى الدول التى شهدت فوضى خلاقة.
بالتأكيد فإن هناك من يقف خلف هذه التنظيمات التى اختفت عن قصد ولم يعُد لها وجود، ومن الممكن عودتها مرة أخرى حسب الطلب وحسب المواقف وحسب ما تستدعيه الظروف، من الممكن عودة تنظيمات جديدة، لأن التنظيمات القديمة تم الكشف عن أن جميعها مرتزقة ومأجورة لمن يدفع لها ويمولها ويُسلح أعضاءها ويُدربهم، فحسب التعليمات الواردة يأتى شكل التنظيم ومهامه وأدواره التى يقوم بها، ومن الممكن أن يتم العمل بمجموعة أفراد مُتناثرة لها مهام خاصة، وهو الذى يطلق عليه لقب (الذئاب المُنفردة)، التى تقوم بإحداث خلل أمنى للدول من الداخل.
«الأعراف السياسية» تقول: ينتهى التنظيم الإرهابى حينما يتم قطع التمويل عنه أو القبض على قائد التنظيم.. إذن اختفاء التنظيمات الإرهابية من الممكن أن يكون بسبب منع التمويل عنهم بعد انتهاء مهمتهم، أو القبض على قائد التنظيم.. ففى معظم الدول التى ترعرع فيها الإرهاب لم يتم محاربة الإرهاب بالشكل الأكمل، ونجح الإرهابيون فى السيطرة على مناطق كثيرة نتيجة الفشل فى مُجابهتهم والتصدى لهم، فمثلاً فى دول الساحل والصحراء فى وسط أفريقيا سيطر الإرهابيون على مساحات شاسعة من الأراضى وسيطروا على مُقدّرات البلدان وتمدّدوا وتوسّعوا وانتشروا.
البعض يسأل ويقول: ولماذا نجحت «مصر» فى مجابهة هذه التنظيمات الإرهابية؟، الإجابة واضحة لنا وضوح الشمس، فـ«مصر» واجهت الإرهاب بكل قوة وعن جد، مواجهة شاملة، تم التصدى للإرهابيين عن طريق الجيش والشرطة، وتم تجفيف منابع تمويل الإرهابيين فى الخارج والداخل، نجحت أجهزة الأمن فى الوصول إلى جميع خيوط التنظيمات بأعضائها الجُدد وقادتها ومَن يُحركهم وشبكة تمويلهم، وتم إنشاء لجنة التحفّظ على أموال الإرهابيين، وتم مخاطبة العالم بضرورة توضيح من هو الإرهابى؟ فالإرهابى ليس فقط من يُفجر ويُكفر.
ولكنه من يمدّهم بالأموال ويدربهم ويسلحهم ويعالج مصابيهم، وتم مواجهة الإرهابيين فكرياً عن طريق الأزهر والأوقاف، انتشر الوعى بين المصريين بخطورة الفكر المتطرف، فتم طرد هذا الفكر شر طردة دون رجعة، وأصبحت «مصر» آمنة مُستقرة ويدخلها الزائرون من كل حدب وصوب وحينما تطأ أقدامهم القاهرة يقرأون الآية الكريمة المكتوبة على جدار مطار القاهرة (ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ).