«رأس الحكمة».. عدم التشكيك
لم تكن «رأس الحكمة» هى الأولى، ولن تكون الأخيرة، لن نضيف جديداً حول استفادة الاقتصاد المصرى من وراء هذا المشروع، وخلال الأيام القليلة الماضية، عرف المصريون من خلال البيانات الرسمية، والكتابات غير الرسمية، الكثير من مميزات المشروع.
إنشاء مدينة «رأس الحكمة» يأتى استكمالاً لمخطط تنمية الساحل الشمالى الغربى، الذى بدأ بمدينة «العلمين الجديدة»، وستعقبها تنمية -وللدقة إعادة إنشاء- مدن «النجيلة» و«جرجوب» و«السلوم» و«سيدى برانى» وتطوير «مرسى مطروح».
لا يمكن إنكار أن الاقتصاد المصرى يمر بأزمة خطيرة، ومعها تعدّدت الآراء حول دور الدولة فى المرحلة المقبلة للخروج منها، وبدء مرحلة التعافى الاقتصادى، ومدى كفاءة إدارة السياسة المالية لاحتواء العجز، والسياسة النقدية لضبط سعر الصرف والسيطرة على التضخّم الجامح، ومن بين الآراء الجادة التى تم طرحها ضرورة جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
بعد ثورة 30 يونيو، تأكدت حاجة الدولة المصرية إلى وضع تصور جديد للتنمية، منذ عام 2014 بدأت مصر مرحلة جديدة عنوانها «النهضة العمرانية الشاملة»، وتم وضع المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية 2052، والذى استغرق إعداده عامين، ويتم تحديثه كل 5 سنوات، وفقاً لمعدلات التنفيذ، ومحدّدات الوضع الاقتصادى العام، ويصل عدد المدن الجديدة المقرر إنشاؤها ضمن هذا المخطط الاستراتيجى إلى ما بين 40 و45 مدينة.
والمخطط يضع ضمن أولوياته التنمية العمرانية المتكاملة لمنطقة الساحل الشمالى الغربى، باعتبارها من أكثر المناطق القادرة على استيعاب الزيادة السكانية، وخلق أنشطة اقتصادية متميزة، لتوفير الملايين من فرص العمل، ووضعت الحكومة مخططاً كاملاً لتنميتها وفقاً لأسس ومعايير، تضمن الاستغلال الأمثل للأراضى، وتوفير فرص عمل جديدة، مستهدفة استيعاب الزيادة السكانية وتقدر بنحو 34 مليون نسمة، وتوفير نحو 11 مليون فرصة عمل، حتى عام 2052.
ومن بين أبرز نقاط المخطط جذب رؤوس الأموال والاستثمارات المحلية والأجنبية، لدفع معدلات التنمية بالمعدلات المطلوبة، وكانت العقبة الواضحة تتمثّل فى تواضع معدلات الاستثمار الخاص (المحلى والأجنبى) خلال العقود الماضية منذ مطلع تسعينات القرن العشرين، مع تبنّى سياسات اقتصادية أقرب إلى منهج «النيوليبرالية» وما تماشى معها من إجراءات لإصلاح السياسات المالية والنقدية، وتحرير التجارة وحركة رأس المال، والحد من دور الدولة الاقتصادى لصالح القطاع الخاص، الذى لم يرغب برفع نصيبه فى الاستثمار، وكانت النتيجة انخفاض الاستثمار الكلى بكل عواقبه التنموية، اقتصادية كانت أم اجتماعية.
وأمام هذه الحقيقة، بدأت الدولة فى التصدى لضخ الاستثمارات بشكل مباشر من خلال مشروعات البنية الأساسية من شق طرق جديدة، وإنشاء محطات كهرباء، ومعالجة وتحلية المياه، والموانئ والمطارات، بهدف رفع معدلات التشغيل، وانتشال الاقتصاد من التباطؤ الذى يعانيه منذ يناير 2011.
وظهرت الأهمية الوظيفية للدولة، أمام ضعف استجابة القطاع الخاص وصعوبة التعويل عليه لإخراج الاقتصاد من حالة الركود.
ورغم كل الانتقادات -الحميدة والخبيثة- لهذا التوجّه، والحديث عن فقه الأولويات، والاتهام برمى الأموال فى رمال الصحراء، سارت الدولة بأفق استراتيجى وقومى فى مسارها، ونجح رهانها، وكانت «رأس الحكمة».
العضو المنتدب والرئيس التنفيذى للشركة الإماراتية المشاركة فى مشروع «رأس الحكمة» قال إن قرارهم بالاستثمار فى المنطقة ينطلق من توفير مصر للحلول المتكاملة بقطاع البنية التحتية، بما فى ذلك الطاقة والمياه والنقل والعقارات، التى من شأنها تحقيق الفوائد والامتيازات الوفيرة للاقتصاد المصرى، وأكد أن المخطط الرئيسى لرأس الحكمة سيكون رائداً فى الحلول المبتكرة التى تحقّق تأثيراً إيجابياً طويل المدى.
وتشجع على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر وتعزيز التجارة، ودعم القطاع الخاص فى مصر من خلال برنامج التوطين داخل البلاد وخلق فرص عمل جديدة لتعزيز الفوائد الاقتصادية لمصر، وتجربة الاستثمار فى «رأس الحكمة» ستُثبت قدرتنا على انتقاء استثمارات نوعية تتماشى مع إطارنا الاستثمارى، وستؤكد التزامنا بتحويل المنطقة إلى واحدة من أهم الوجهات الساحلية الفاخرة والأكثر جاذبية فى مصر.
ومن الواجب ألا يغفل أحد من المراقبين أو المعلقين على المشهد الحالى، أن المخطط الاستراتيجى لعام 2052 لا يقتصر على إنشاء المدن الجديدة فقط، لكنه يمتد إلى أبعد من ذلك، بتحقيق التنمية المستدامة فى مختلف المجالات، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى -الذى يتابع تنفيذ المخطط بنفسه على مدار الساعة- بتبنى مشروعات كبرى، مثل: العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، وغيرهما، وتوزيع هذه المشروعات جغرافياً، وتسهيل الوصول إليها، وإتاحة الفرصة للمستثمرين والمطورين العقاريين لاستكمال مسيرة التنمية بهذه التجمعات العمرانية الجديدة.
الدولة الآن تعيد رسم وصياغة الخارطة العمرانية القومية بما يتناسب مع مساحة مصر وحضارتها وخصوصية موقعها، وذلك وفق استراتيجية شاملة، تشمل تأسيس وتشييد مجتمعات ومدن جديدة على الطراز الحضارى والمعمارى الحديث، إلى جانب تطوير المناطق السكنية القائمة بالفعل على أسس تخطيطية وإنشائية سليمة، تتناسب مع التغيّرات المكانية والزمانية، والقضاء على ظاهرة العشوائيات، واستعادة الشكل الحضارى للشوارع والمبانى المصرية، والاهتمام بتنمية وتطوير قرى الريف المصرى، بما يُسهم فى إحداث نقلة نوعية فى المجتمعات العمرانية القائمة والمستقبلية، ويحقّق طموحات المصريين فى الحياة الكريمة.
نجاح الدولة المصرية فى مسيرتها يدعونا جميعاً إلى مساندتها بكل ما نستطيع، وأول ما نستطيعه هو التصدى لمحاولات التشكيك فى الإنجازات التى تتحقق على الأرض، وبالنسبة لـ«قوى الشر» أقول: «رأس الحكمة».. عدم التشكيك.