أردوغان في القاهرة.. ثم ماذا؟!
من صفحة إلى صفحة أخرى تماماً تنطلق العلاقات المصرية التركية، وأهم ما فيها النظر والتطلع للحاضر.. والمستقبل.. فاقتراب التبادل التجارى من الـ7 مليارات دولار يؤكد أن القيادات السياسية فى كلا البلدين تحسّبت لهذه اللحظة التى ستطوى فيها صفحة وتبدأ فيها صفحة أخرى.. وتنبغى الإشارة إلى أن الرئيس السيسى كان الأكثر صواباً فى رؤيته لملف العلاقات مع تركيا، حيث رفض تماماً المعاملة بالمثل فى الحملات الإعلامية أو الانجرار فى معارك من أى نوع إلا فى حدود الدفاع عن أمن مصر، وذلك رغم مطالب الكثيرين فى مصر!
اليوم يثمر ذلك عن أكبر بلد يستورد من مصر برصيد يصل سنوياً إلى 3.8 مليار دولار واستثمارات تركية فى مصر فى أكثر من منطقة صناعية وإطلاق مجلس للتعاون الاستراتيجى يؤكد على عدة أمور، أولها طبعاً أن الاتصالات طوال الفترة الماضية لم تنقطع بين البلدين وظلت المشاورات واللقاءات بين مسئولى البلدين مستمرة حتى أثمرت هذه اللجنة العليا التى أُقرت فى اجتماع الرئيسين، إنما أهدافها وخطواتها واجتماعاتها حُددت من مستويات أخرى تابعت ذلك الأشهر الماضية.
الأمر الثانى: أن هناك إرادة سياسية لإطلاق تعاون كبير بين البلدين لن يتوقف هذه المرة على العلاقات الاقتصادية ولا تطويرها فقط، إنما سيمتد إلى تعاون استراتيجى بكل معانى الكلمة سياسياً وأمنياً، وربما عسكرياً أيضاً!
النقطة السابقة تعنى أن كل النقاط الخلافية بين البلدين التى تحتاج إلى حل أو توافق ستبدأ لجان من البلدين فى التحاور بشأنها لحلها بالتفاهم، وهو ما يعنى تنازلات قادمة للوصول بالعلاقات إلى مستوى مثالى.. وبالتالى يمكن أن يؤدى هذا التقارب إلى إقناع الجانب التركى بالمساهمة والدفع فى اتجاه مزيد من الاستقرار فى ليبيا والوصول إلى دستور دائم ثم الانتخابات التى نأملها على أساسه.. وكذلك الأوضاع فى سوريا والدفع أيضاً إلى التوصل إلى حل يعيد الدولة السورية إلى الشمال السورى.
تبقى النقطة الأخيرة من اليقين أن العلاقات المصرية التركية، بمستواها المتوقع، لن تكون على حساب علاقات مصر مع أصدقائها فى المنطقة، وخصوصاً البحر المتوسط، ولكن هناك بالطبع من يتحسّب لها ويراقبها مثل العدو الإسرائيلى الذى تدهورت علاقاته مع تركيا بسبب العدوان على غزة ومع مصر أيضاً للسبب نفسه ويُقلقه أى تعاون للكبار والدول المؤثرة فى المنطقة!
وبالرجوع إلى الأرقام الدالة على حجم العلاقات الاقتصادية كانت تقارير وبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء -التى يُعتمد عليها فى تقييم أى موضوع لدقة بياناته وأرقامه- بينت ارتفاع قيمة التبادل التجارى بين مصر وتركيا لتصل إلى 7.7 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 6.7 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 14%.. ورغم أن أرقام الجهاز تقول إن اليوم الأربعاء الموافق 14/ 2/ 2024 أن حجم التبادل التجارى بين مصر وتركيا وصل العام الماضى 2023 إلى 6.6 مليار دولار بنسبة انخفاض عن العام السابق قدرها 15.7% لكن لم يحدث ذلك لتدهور فى العلاقات، إنما لأسباب أخرى مرتبطة بحجم التجارة العالمية والأحداث فى المنطقة. والبحر المتوسط وما حوله! ووسط ذلك نتوقف عند الصادرات المصرية لتركيا التى بلغت كما قلنا 3.8 مليار دولار خلال عام 2023 مقابل 4 مليارات دولار خلال عام 2022 بنسبة انخفاض قدره 4.8%، فى حين حجم الواردات المصرية من تركيا 2.8 مليار دولار خلال عام 2023 مقابل 3.8 مليار دولار خلال عام 2022 بنسبة انخفاض قدرها 27% لكن من المفيد رصد الميزان التجارى الذى يميل والحمد لله إلى مصر!
وأعلنت وزارة التجارة والصناعة المصرية أن الوزير أحمد سمير ونظيره التركى عمر بولات اتفقا، خلال زيارة وزير التجارة والصناعة المصرى الحالية إلى تركيا، على خارطة طريق لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، وذلك من خلال استهداف الوصول بحجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار فى غضون 5 سنوات وهو ما أعلنه الرئيس السيسى فى اللقاء مع الرئيس أردوغان، وهو ما يؤكد أفق العلاقة لدى قادة البلدين!
على كل حال.. الطموحات القومية تبقى أهدافاً فوق استراتيجية، أما السياسة فتتبدل وفق المصالح الحالية للشعوب، ولذلك نأمل فى نجاح كل ما يحقق مصالح شعبنا ويؤكد صحة المنهج المصرى فى العلاقات الخارجية من السعى للتعاون مع الجميع فى إطار الاحترام المتبادل، وهو صلب سياسة مصر الخارجية!