الأميرة رشا يسري تكتب: مصر الكبيرة.. قراءة في شريط الأخبار
فى وقت يعتقد فيه البعض أن الأزمات الاقتصادية التى تعانيها مصر أضعفت من دورها كلاعب رئيسى وكدولة كبيرة فى المنطقة والعالم، تدور الأحداث لتؤكد بوضوح أن هذا البلد الذى يمكن أن يمرض أبداً لن يموت.. لا يزال هو رمّانة الميزان وركيزة الاستقرار فى محيطات متشابكة.
ففى إطلالة على صفحة «الخارجية المصرية» الرسمية فى موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك ليوم واحد فقط، وهو يوم الخميس الأول من فبراير 2024، تجد أن هذه الدولة التى تتداعى عليها قوى الحقد والبغضاء، وتضربها الأزمات الاقتصادية واحدة تلو الأخرى، لا تزال هى النبراس الذى يضىء طريق السلام والاستقرار، لا تزال هى ربّة الحكمة وأيقونة الحوار القادرة على وضع المتخاصمين على طاولة الحق والعدل، حتّى باتت لاعباً محورياً وريادياً وحيوياً فى تحقيق الاستقرار والتوازن فى تلك المحيطات المتشابكة، فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والوطن العربى ودول البحر المتوسط.
ففى هذا اليوم فقط تلقّى السيد سامح شكرى، وزير الخارجية، اتصالاً هاتفياً من الدكتور حسين أمير عبداللهيان، وزير خارجية إيران، تناولا فيه بشكل مستفيض التطورات الخاصة بأزمة قطاع غزة فى ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والأوضاع الإنسانية الكارثية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى فى القطاع.
والمتابع للتوجهات الدولية فى الشأن الفلسطينى يعلم جيداً أن مصر هى الأقدر على التعامل مع محاور متوازية تستهدف التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار، نحو رؤية توافقية لمعالجة جذور الأزمة المتمثلة فى استمرار القضية الفلسطينية دون حل ودون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على مدار عقود طويلة.
فى نفس اليوم، الخميس الأول من فبراير الجارى، تلقّى وزير الخارجية المصرى اتصالاً من «ديفيد لامى»، وزير خارجية حكومة الظل عن حزب العمال البريطانى المعارض، تناول الأوضاع فى قطاع غزة، وطلب وزير خارجية حكومة الظل التعرف على تقييم مصر بشأنها، والتحركات المصرية على الصعيدين السياسى والدبلوماسى الساعية لإنفاذ التهدئة وتحقيق وقف إطلاق النار فى غزة، والحد من التوترات المتزايدة ومخاطرها على مستقبل استقرار المنطقة نتيجة العمليات العسكرية التى يشهدها المدخل الجنوبى للبحر الأحمر وتأثيرها على حركة الملاحة الدولية، والنتائج الوخيمة المترتبة عن توسيع رقعة الصراع فى المنطقة.
ولم يكن ما سبق إلا جزءاً من جهود كثيرة ومتواصلة للدبلوماسية المصرية التى كانت ولا تزال قبلة دوائر القرار الدولى، فقد سبقه استقبال السيد سامح شكرى للسفير ديفيد ساترفيلد، المبعوث الأمريكى الخاص للشئون الإنسانية فى الشرق الأوسط، الذى أطلعه وزير الخارجية المصرى على شرح تفصيلى للأوضاع الإنسانية المتردية فى قطاع غزة، وحجم المعاناة المتفاقمة التى يعيشها الفلسطينيون يومياً، والتدمير الذى لحق بالبنية التحتية والمنظومة الخدمية والمستشفيات فى القطاع، وحرص المبعوث الأمريكى على إطلاع الوزير شكرى على نتائج الاتصالات والتحركات التى يقوم بها الجانب الأمريكى لدعم إنفاذ المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وتبادل الجانبان المصرى والأمريكى التقييمات بشأن مساعى إنفاذ المساعدات بشكل كافٍ ومستدام بالتعاون مع وكالات الإغاثة الأممية. ومن جانبه، ثمّن المبعوث الأمريكى الدور المهم الذى تضطلع به مصر منذ بدء الأزمة فى تقديم وإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والتنسيق الثنائى القائم فى هذا الشأن، مؤكداً حرص الجانب الأمريكى على مواصلة التشاور والعمل المشترك مع مصر.
وتسعى مصر دائماً إلى تحقيق التوازن فى العلاقات الدولية، ضمن مشاركاتها الفعّالة مع دوائر القرار الدولى والمنظمات الدولية تعزيزاً للسلام العالمى وبناء جسور التعاون والحوار.
مصر التى تحفظ علاقات متوازنة مع إيران فى هذا الملف هى نفسها التى تحفظ نفس هذه العلاقات المتوازنة مع أمريكا، رغم ما بين الطرفين من توترات، ولم يكن ذلك ليكون إلا لمحورية الدولة المصرية القادرة، رغم التحديّات، على أن تلعب دوراً حيوياً فى تحقيق الاستقرار والتعاون الإقليمى والدولى. موقعها الاستراتيجى، وتاريخها العظيم، ودورها النشط، كل ذلك يجعلها شريكاً موثوقاً وقائداً حكيماً فى تعزيز السلام والازدهار فى محيطها وعلى الساحة الدولية.