ورقة «شاليت» لتهدئة الجبهة الداخلية

لماذا سمحت إسرائيل، بعد ما يزيد على 12 عاماً، بأن يقابل جلعاد شاليت الجمهور ويتحدث معهم؟

هذا التساؤل ألحّ علىّ وأنا أقرأ خبر لقاء جلعاد شاليت بأُسر المحتجزين لدى «حماس».

جلعاد شاليت هو المجند الإسرائيلى الذى يحمل أيضاً الجنسية الفرنسية، تم أسره عام 2006 ومكث فى الأسر لدى «حماس» ما يزيد على 5 سنوات وتمت مبادلته فى فرصة هيأتها مصر، بقدراتها الفائقة، فى لحظات حرجة مرت بها مصر فى أحداث يناير 2011 ليتم تبادل الجندى جلعاد شاليت مقابل ما يزيد على 1000 فلسطينى فى السجون الإسرائيلية، لتتسلمه مصر ويعود إلى إسرائيل عبر الحدود المصرية.

والتساؤل هنا مشروع، فلماذا لم تسمح إسرائيل للمجند المفرج عنه قبل 12 عاماً بالإدلاء بأى أحاديث صحفية والتحدث عن هذه التجربة بكل أبعادها؟

وكيف مرت عليه سنوات؟ وهل فقد الأمل يوماً ما؟ كيف تعاملت معه حماس؟ كيف كان يقضى يومه؟ هل كان يرتدى ساعة؟ هل كان يقرأ الصحف؟ إلى آخره من أسئلة كثيرة التى كانت تطرح نفسها آنذاك.

ولكن لم يعطِ الإعلام الإسرائيلى أهمية لحياة الأسير فى الأسر ليقصها، واكتفى الإعلام بالحديث عن وقائع إدلائه بالمعلومات عن أسباب اختطافه وكيفية حدوث ذلك، تلك المعلومات التى ظلت غير معروفة حتى عاد جلعاد إلى إسرائيل.

إن حياة جلعاد فى الأسْر ربما هى مادة صحفية مشوِّقة يتلهَّف إليها الصحفيون المحليون والعالميون، وربما عدم ظهور جلعاد فى أوساط الضوء يُرجعه البعض إلى رغبته الشخصية فى العيش بعيداً عن تذكُّر تلك الفترة الصعبة من حياته.

ولكن يبدو هذه الأيام أنها لم تكن رغبة جلعاد الشخصية، فقد ظهر فجأة معلناً عن رغبته فى لقاء أسر المحتجزين لدى «حماس» بعد مرور أكثر من مائة يوم فى أعقاب عملية السابع من أكتوبر.

إن ظهور جلعاد وتحدُّثه مع أهالى المحتجزين -دون نقل التفاصيل الكاملة لما واجهه جلعاد فى الأسْر من قبَل الإعلام الإسرائيلى- ربما يعكس أهمية كبرى لهذا اللقاء، فربما أراد السياسيون فى إسرائيل تهدئة أسر المحتجزين وإخبارهم بطبيعة الحياة كأسير لدى حماس، حتى يكسبوا بعض الوقت ويتمكنوا من نقل الرسالة إلى حماس، والتى مفادها: «نحن لا نعبأ بالمحتجزين والأهم لدينا هو مواصلة القتال، حتى لو على حسابهم».

إن إطلاق حماس فيديوهات تحمل رسائل المحتجزين الإسرائيليين لديها، أثار مشاعر أهالى وأقارب المحتجزين وزاد من ضغطهم على الحكومة الإسرائيلية لسرعة الإفراج عنهم والعمل على إيجاد نافذة فرص جديدة حقيقية لبلورة اتفاق جديد يخرج بمقتضاه المحتجزون الإسرائيليون ويعودون إلى بيوتهم.

إن الأسير الأشهر الذى استطاعت إسرائيل إرجاعه بالجهود المصرية جلعاد شاليت من المؤكد لديه من القصص ما يرويه، وهى القصص التى من شأنها أن تعمل على تهدئة روع أسر المحتجزين، إلا أننا لم نشاهدها أو نسمعها، فقد اكتفت الصحف الإسرائيلية بنقل تفاصيل عامة للقائه مع الأسر وحديثه عن كيفية مواجهته للظروف وطرق التكيف وبقائه على قيد الحياة فى الأسر لدى حماس دون الدخول فى التفاصيل.

نشرت الصحف التفاصيل العامة للقاء جلعاد مع أسر المحتجزين وأنهت بكلماته: «إنهم يستطيعون النجاة من الجحيم والتعافى».